للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ما ذكره بعض علماء التاريخ. قلت: وكان رضي الله تعالى عنه رفيع المقام، شهد له بالصديقية إلأولياء الكرام، وهو الحبر الذي باهى به المصطفى سيد الأنام موسى وعيسى - عليه وعليهما أفضل الصلاة والسلام - في المنام الذي رويناها بإسنادنا العالي عن الشيخ الإمام القطب أبي الحسن الشاذلي والذي أنتشر فضله في الآفاق. وتميز بكثرة التصانيف وحسنها على العلمماء، وبرع في الذكاء وحسن العبارة وسهولتها، وأبدع، خى صار إفحام الفرق عنده أسهل من شرب الماء. قال الشيخ الإمام الحافظ ذو المناقب والمفاخر السيد الجليل أبو الحسن عبد الغافر الفارسي: محمد بن محمد بن محمد أبو حامد الغزالي حجة الإسلام والمسلمين، إمام أئمة الدين، لم تر العيون مثله لساناً وبياتاً ونطقاً وخاطراً وذكاء وطبعاً، ابتدأ في صباه بطرف في الفقه في طوس، على الفقيه الإمام أحمد الزادكاني، ثم قدم نيسابور مختلفاً إلى درس إمام الحرمين في طائفة من الشبان من طوس، وجد واجتهد حتى تخرج عن مدة قريبة، وصار أنظر أهل زمانه، وأوحد أقرانه في أيام إمام الحرمين، فكانت الطلبة يستفيدون منه، ويدرس لهم، ويرشدهم، ويجتهد في نفسه، وبلغ الأمر به إلى أن أخذ في التصنيف. وكان الإمام - مع علو درجته وسمو عبارته وسرعة جريه في المنطق والكلام لا يصفي نظره إلى الغزالي سراً، لإنافته عليه في سرعة العبارة، وقوة الطبع، ولا يطيب له تصديه للتصنيف - وإن كان متخرجاً به منتسباً إليه، كما لا يخفى من طبع البشر - ولكنه يظهر التبحح به والاعتداد بمكانه ظاهر أخلاق ما يضمره.

ويقال على ما ذكره بعض المؤرخين أنه لما صنف كتابه المنخول، عرضه على إمام الحرمين فقال: دفنتني وأنا حي، فهلا صبرت إلى أن أموت؟ لأن كتابك غطى على كتابي.

هكذا نقل عن إمام الحرمين - والله أعلم مع كونه بالمحل للذي شهد له بفضله الجملة من أفراد الأئمة، من ذلك ما تقدم عن الإمام السمعاني أن الشيخ أبا إسحاق الشيرازي قال: تمتعوا بهذا الإمام، فإنه نزهة هذا الزمان، يعني أبا المعاني الجويني - رحمة الله عليهم أجمعين -، وما تقدم من وصفه بإمام الأئمة على الإطلاق، وغير ذلك مما اشتهر من وصفه بالفضائل، وبراعته في العلوم في الآفاق، ثم بقي كذلك إلى أن انقضى أيام الإمام، فخرج من نيسابور، وسار إلى العسكر، واحتل من مجلس نظام الملك محل القبول، وأقبل عليه الصاحب لعلو درجته وظهور اسمه وحسن مناظرته وجري عبارته، وكانت تلك الحضرة محط رحال العلماء ومقصد الأئمة والفصحاء، فوقعت للغزالي اتفاقات حسنة من الاحتكاك

<<  <  ج: ص:  >  >>