للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا حين كثرت عليه الدنيا، ورأى أصحابه يوماً - وقد مالت نفوسهم إلى كثرة ما غنموه - فأمر بضم جميعه، فأحرقه وقال: من كان يبتغي الدنيا فما له عندي إلا ما رأى، ومن يبتغي الآخرة فجزاؤه على الله تعالى، وكان على خمول زيه وبسط وجهه مهيباً، منيع الحجاب إلا عند مظلمة، وله رجل مخص بخدمته والإذن عليه، وكان له شعر ومن ذلك:

أخذت بأعضادهم إذ نأوا ... وخلفك القوم اذ ودعوا

فكم أنت تنهي ولا تنتهي ... وتسمع وعظاً ولا تسمع

فيا حجر الشجر حتى متى ... تسد الحديد ولا تقطع

وكان كثيراً ما ينشد:

تجرد من الدنيا فإنك إنما ... خرجت إلى الدنيا وأنت مجرد

ولم يفتتح شيئاً من البلاد، وإنما قرر القواعد ومهدها ورتبها، وكانت الفتوحات على يد عبد المؤمن كما سيأتي في ترجمته - أن أول ما أخذ تلمسان ثم فاس ثم سلا ثم سبتة ثم مراكش، واستوثق له الأمر، وامتد ملكه إلى المغرب الأقصى والأدنى وبلاد إفريقية وكثير من بلاد الأندلس. ومما ذكر بعض المؤرخين أنه ادعى الإمامة وأنه معصوم، قال: وكان على طريقة مثلى لا تنكر معه العظمة، وقيل: كان حاذقاً في ضرب إلىمل، وقيل: اتفق لعبد المؤمن أنه كان قد رأى أنه جمل في صحفة مع ابن تاشفين، ثم اختطف الصحفة منه، فقال له المعبر هذه إلىؤيا: لا ينبغي أن تكون ذلك، بل هي لرجل يخرج على ابن تاشفين، ثم يغلب على الأمر. وذكر أنه بعدما انكسرت المصادمة انتصرت مرة أخرى، ثم استنجد أمرهم وأخذوا في شن ألفارات في بلاد ابن تاشفين، وكثر ألفاخلون في دعوتهم. وكان ابن تومرت لم يزل على لون واحد من الزهد والتقلل والعبادة وإقامة السنن والشعائر. قال: غير أنه أفسد بالدعاء - كونه المهدي - وبسرعته في الدعاء، وكان ربما كاشف أصحابه، ووعدهم بأمور فيوافق، وكان طويل الصمت حسن الخشوع والسمت رحمه الله تعالى.

<<  <  ج: ص:  >  >>