الزمخشري الخوارزمي، صاحب الكشاف والمفصل. عاش إحدى وسبعين سنة متفنناً في التفسير والحديث والنحو واللغة وعلم البيان إمام عصره في فنونه. وله التصانيف البديعة الكثيرة الممدوحة الشهيرة، عدد بعضهم منها نحو ثلاثين مصنفاً في التفسير والحديث وإلىواة وعلم الفيائض والنحو والفقه واللغة والأمثال والأصول والعروض والشعر. ومن ذلك كتاب شافي العي من كلام الشافعي وغير ذلك، وكان شروعه في تأليف المفضل في غرة شهر رمضان سنة ثلاث عشرة وخمس مائة، وفيغ منه في غرة المحرم، أظنه قال: سنة خمس عشرة وخمس مائة. وكان قد جاور بمكة زماناً، فصار يقال له: جار الله لذلك، حتى صار هذا اللقب علماً عليه. وكانت إحدى رجليه ساقطة، فكان يمشي في خشب. وسبب سقوطها أنه أصابه في بعض أسفاره برد شديد وثلج كثير، وكان معه محضر فيه شهادة خلق كثير ممن اطلعوا على حقيقة ذلك خوفاً من أن يظن قطعها لريبة.
وذكر بعض المؤرخين أنه أمسك عصفوراً، وربطه بخيط في رجله، ففلت من يده، فأدركه وقد دخل في جرق، فجذبه فانقطعت رجله في الخيط، فتألمت والدته لذلك، ودعت عليه بقطع رجله كما قطع رجله. فلما وصل إلى سن الطلب، رحل إلى بخارى لطلب العلم، فسقط عن ألفابة، فانكسرت رجله، وبلغت إلى حالة اقتضت قطعها - والله أعلم أي ذلك كان -. ولما صنف كتاب الكشاف استتفتح الخطبة بالحمد لله الذي خلق القرآن، فقيل له: متى تركته على هذه آلهيئة هجره الناس، فغيره بالذي أنزل القرآن. وقيل: هذا إصلاح الناس لا إصلاح المصنف، ومن شعره يرثي شيخه أبا مضر:
وقائلة ما هذه الدرر التي ... تساقط من عينيك سمطين سمطين
فقلت لها الدر الذي كان قد حشى ... أبو مضر أذني تساقط من عيني
وهذا مثل قول القاضي أبي بكر الأرجان، ولا يدري أيهما أخذ من الآخر، لأنهما كانا متعاصرين وهو.