وكان بينه وبين أبي الحسن سنان بن سليمان بن محمد الملقب راشد الدين صاحب قلاع الإسماعيلية ومقدم الفرقة الباطنية - وإليه تنسب الطائفة السنية مكاتبات ومحاورات بسبب المحاورة - فكتب إليه نور الدين في بعض الأزمنة كتاباً يهدده فيه ويتواعده بسب اقتضاء ذلك، فشق على سنان، فكتب جوابه أبياتاً ورسالة:
يا ذا الذي بقراع السيف هددنا ... لا قام مصرع جنبي حين تصرعه
قام الحمام إلى البازي يهدد ... فاستيقظت لأسود البر أصيعه
أضحى يسدفم الأفعى بإصبعهيكفيه ما قد تلاقي منه إصبعه
وقفنا على تفصيله وحمله وعلمنا ما هددنا به من قوله وعمله، فيا لله العجب من ذبابة تطن في أذن فيل وبعوضة تعد في التماثيل، ولقد قالها من قبلك قوم آخرون فدمرنا عليهم ما كان لهم من ناصرين، أو للحق تدحضون وللباطل تنصرون، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون. وأما ما صدر من قولك في قطع رأسي وقلعك لقلاعي من الجبال الرواسي فتلك أماني كاذبة وخيالالت غير صائبة، فإن الجواهر لا تزول بالأعراض كما أن الأرواح لا تضمحل بالأمراض، كم من قوي وضعيف، ودنيء وشريف، فإن عدنا إلى الظواهر والمحسوسات، وعدلنا عن البواطن والمعقولات فلنا أسوة رسول - الله صلى الله عليه وآله وسلم - في قوله:" ما أوذي نبي ما أوذيت "، وقد علمتم ما جرى على عترته وأهل بيته وشيعته، والحال ما حال والأمر ما زال، ولله الحمد في الآخرة والأولى إذ نحن مظلومون لا ظالمون، ومغصوبون لا غاصبون، وإذا " جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقاً "، وقد علمتم ظاهر حالنا وكيفية رحالنا، وما يتمنوه من الفوت ويتقربون به إلى حياض الموت قل " فتمنوا الموت إن كنتم صادقين ولا يتمنونه أبداً بما قدمت أيديهم والله عليم بالظالمين "، - الجمعة ٦و٧ - وفي أمثال العاقة السائرة: أو للبط تهددون بالشط؟ فهيىء للبلايا جلباباً، وتدرع للرزايا أثواباً، فلأظهرن عليك منك ولأتعبنهم فيك عنك، فتكون كالباحث عن حتفه بظلفه، والجادع مارن أنفه بكفه، وما ذلك على الله بعزيز. وفي رواية: فإذا وقفت على كتابنا هذا فكن لأمرنا بالمرصاد ومن حالك على اقتصاد، واقرأ أول النحل وآخر ص. والصحيح أنه كتب هذا اللفظ إلى السلطان صلاح الدين بن أبي أيوب، وبالجملة فإن محاسن نور الدين كثيرة، وسيرته في حسنها شهيرة. وكانت وفاته - رحمه الله تعالى - بعلة