قال القفَّال - رَحِمَهُ اللهُ -: قوله تعالى: {فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}[البقرة: ١٨٥] يدلُّ على وجُوُب الصَّوم.
قال ابن الخطيب: ولقِائِلٍ أنْ يقَولَ: هذا ضعيفٌ من وجهين:
الأول: أنَّا إنْ أجرينا ظاهر قوله تعالى: {فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ}[البقرة: ١٨٥] على العُمُوم، لزمنا الإضمارُ في قوله:{فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} ، وإن أجرينا هذه الآيَةَ على ظاهرهان لَزمنا تخصيصُ عُمُوم قوله:{فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} ، وقد ثبت في أصُولِ الفقه أنَّه متى وقع التعارُضُ بيْن التخصيص، وبيْن الإضمار، كان الحملُ على التَّخصيص أَولى.
الثَّاني: أنَّ ظاهر قَوله تعالى: «فَلْيَصُمْهُ» يقتضي الوُجوب عَيْناً، وهذا الوُجُوب منتفٍ في حقِّ المريضِ والمُسافر، فالآيةُ مخصوصةٌ في حقِّهما على كلِّ تقدير، سواءٌ أجرَينا قولَهُ تعالى:{فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} على ظاهره أَوْ لَا، وإذا كان كذلك، وجب إجراء هذه الآية على ظاهِرِهَا مِنْ غير إضمارٍ.
الوجه الثاني: ذكره الواحدي في «البَسِيطِ» قال: وقَال القاضي: إنَّما يجبُ القَضَاء بالإفْطَار، لا بالمَرَض والسَّفر، فلمَا أوجب اللهُ القَضَاءَ، والقَضَاءُ مسَبوقٌ بالفطْر، دَلَّ على أنَّه لا بُدَّ مِنْ إضمارِ الإفطار.
قال ابنُ الخطيب وهذا ساقط؛ لأنه لم يَقُل: فعلَيَهِ قضاءُ ما مَضَى، بل قال:«فَعَلَيْهِ عِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ» ، وإيجابُ الصَّوم عليه في أيَّامٍ أُخَرَ لا يستَدعي أن يكون مَسبُوقاً بالإفطار.
الوجه الثالث: رَوَى أبو داود عن هشام بن عُروة، عن أبيه، عن عائشة: أن حمزة الأسلميَّ سَأَلَ النَّبِيَّ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَال: يا رَسُولَ اللهِ، هَل أَصُوم في السَّفر؟ قال «إِنْ شِئْتَ صُمْ، وإنْ شِئْتَ فَأفْطِرْ»