ولقائل أنْ يقول: هذا يقتضي نَسْخَ القُرآن بخبر الواحد؛ لأن ظاهر القُرآن يقتضي وجُوبَ الصَّوم، فرفعُ هذا الحُكم بهذا الخَبر غيرُ جائِز، وإذا ضُعِّفَتْ هذه الوجوه، فالاعتماد على قوله تعالى: {وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ} ؛ وسيأتي إن شاء الله تعالى.
فصل في هل صوم المسافر أفضل أم فطره
اختلفُوا هَل الصَّوم للمُسافرِ أفْضَلُ أمِ الفِطر؟
فقال أنسُ بنُ مالك، وعثمان بنُ أبي أوفى: الصَّوم أفضلُ، وبه قال الشافعيُّ، وأبو حنيفة، ومالكٌ، والثوريُّ، وأبو يوسُفَ، ومحمَّد.
وقال سعيدُ بنُ المُسيَّب، والشَّعبيُّ، والاوزاعيُّ، وأحمدُ، وإسحاقُ، الفطرُ أفضلُ.
وقالت طائفةٌ: أفضل الأمرين أيسرهما على المرء. حجَّة الأوَّلين: قوله تعالى: {فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} وقوله {وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ} .
حجَّة الفرقة الثانية: قوله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - «إنَّ الله يحبُّ أَنْ تُؤْتَى رُخَصُهُ؛ كما تُؤْتَى عَزَائِمُهُ» وقوله - عليه الصَّلاة والسَّلام - «لَيْسَ من البِرِّ الصِّيَامُ فِي السَّفَرِ»
، وأيضاً: فالقَصر أفضلُ؛ فيجب أنْ يكُون الفطرُ أفضل.
وفرَّق بعضهم بين القَصر والفِطْر مِنْ وجهين:
الأوَّل: أنَّ الصَّلاة المقصُورة تبرأ الذمَّة بها، والفِطر تبقى الذِّمَّة فيه مشغُولةٌ.
الثاني: أنّ فضيلة الوقت تَفُوتُ بالفِطْرِ، ولا تَفُوت بالقَصر.
حجَّةُ الفرقة الثالثة: قوله تعالى: {يُرِيدُ الله بِكُمُ اليسر وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ العسر} [البقرة: ١٨٥] .
فصل في حكم ما إذا أفطر كيف يقضي؟
مذهب عليٍّ، وابن عُمر، والشَّعبيِّ: أنَّه يقضيه متتابعاً؛ لوجهين: