لأجل الرَّجل وعلى فراشه، وجب عليه رعاية مصالحه، [فنبه على أنَّ سبب النَّسب، والالتحاق محدودٌ بهذا القدر.
وثالثها: ذكر الوالد بلفظ «المَوْلُودِ [لَهُ] » تنبيهاً على أنَّ نفقته عائدةٌ إليه، فيلزمه رعاية مصالحه] كما قيل: كلُّه لك، وكلُّه عليك.
فإن قيل: فما الحكمة في قول موسى - عليه الصَّلاة والسَّلام - لأخيه:{قَالَ ياابنأم}[طه: ٩٤] ولم يذكر أباه.
فالجواب: أنّه أراد بذكر الأم [أنْ] يذكر الشفقة فإنَّ شفقة الأمِّ أعظم من شفقة الأب.
فصل
اعلم أنَّ الله تعالى كما وصَّى الأمَّ برعاية جانب الطِّفل، في قوله:{والوالدات يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ} - وصَّى برعاية جانب الأمِّ، حتَّى تقوى على رعاية مصلحة الطفل، فأمره برزقها، وكسوتها بالمعروف، وهذا المعروف قد يكون محدوداً بشرطٍ وعقدٍ، وقد يكون غير محدودٍ إلَاّ من جهة العرف لأنّه إذا قام بما يكفيها من طعام وكسوتها، فقد استغنى عن تقدير الأجرة فإنه إن لم يقم بما يكفيها من ذلكن تضرَّرت وضررها يتعدى إلى الود، ولمّا وصَّى الأمَّ برعاية الطفل أوّلاً ثم وصَّى الأب برعايته ثانياً، دلَّ على أنَّ احتياج الطفل إلى رعاية الأمِّ أشدُّ من احتياجه إلى رعاية الأب؛ لأنَّه ليس بين الطفل وبين رعاية الأمّ واسطةٌ أَلْبَتَّةَ؛ ورعاية الأب إنَّما تصل إلى الطفل بواسطة، فإنّه يستأجر المرأة على رضاعته، وحضانته بالنفقة، والكسوة، وذلك يدلُّ على أنَّ حقَّ الأمِّ أكثر من حقِّ الأب، والأخبار المطابقة لهذا المعنى كثيرةٌ مشهورةٌ.
قوله:{لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ} الجمهور على «تُكَلَّفُ» مبنياً للمفعول، «نفسٌ» قائم مقام الفاعل، وهو الله تعالى، {وُسْعَهَا} مفعول ثانٍ، وهو استثناءٌ مفرغٌ؛ لأنَّ «كَلَّفَ» يتعدَّى لاثنين. قال أبو البقاء:«ولو رُفِعَ الوُسْعُ هنا، لم يَجُزْ؛ لأنه ليس ببدَلٍ» .
وقرأ أبو جراء:«لَا تَكَلَّفُ نَفْسٌ» بفتح التَّاء، والأصل:«تَتَكَلَّفُ» فحذفت إحدى التاءين؛ تخفيفاً: إمَّا الأولى، أو الثانية على خلافٍ في ذلك تقدَّم، فتكون «نَفْسٌ» فاعلاً، و «وُسْعَها» مفعولٌ به، استثناء مفرَّغاً أيضاً. وروى أبو الأشهب عن أبي رجاء أيضاً:«لا يُكَلِّفُ نَفْساً» بإسناد الفعل إلى ضمير الله تعالى، فتكون «نَفْساً» و «وُسْعَها» مفعولين.