للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

فصل

لما أمر الله تعالى بكتابة هذه المداينة؛ اعتبر في الكتابة شرطين:

الأولَّل: أن يكون الكاتب عدلاً لقوله: {وَلْيَكْتُب بَّيْنَكُمْ كَاتِبٌ بالعدل} وذلك أنَّ قوله تعالى: {فاكتبوه} ظاهره يقتضي أنَّه يجب على كلِّ أحدٍ أن يكتب، لكن ذلك غير ممكنٍ، فقد يكون ذلك الإنسان غير كاتب، فصار معنى قوله: {فاكتبوه} ، أي: لا بدَّ من حصول هذه الكتابة وهو كقوله تعالى: {والسارق والسارقة فاقطعوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: ٣٨] فإن ظاهره، وإن كان يقتضي خطاب الكلّ بهذا الفعل، إلَاّ أنَّا علمنا أنَّ المقصود منه أنَّه لا بدَّ من حصول قطع اليد من إنسان واحد، إمَّا الإمام، أو نائبه أو المولى، فكذا ها هنا.

ويؤكِّد هذا قوله تعالى: {وَلْيَكْتُب بَّيْنَكُمْ كَاتِبٌ بالعدل} فإنَّه يدلُّ على أنَّ المقصود حصول الكتابة من أيّ سخصٍ كان.

قوله: {بالعدل} فيه أوجهٌ:

أحدها: أن يكون الجارُّ متعلّقاً بالفعل قبله. قال أبو البقاء: «بالعَدْلِ متعلِّق بقوله: فليكتب، أي: ليكتب بالحقِّ، فيجوز أن يكون حالاً، أي: ليكتب عادلاً، ويجوز أن يكون مفعولاً به أي: بسبب العدل» .

قوله أولاً: «بالعدلِ مُتَعَلِّقٌ بقوله فَلْيَكْتُب» يريد التعلق المعنوي؛ لأنَّه قد جوَّز فيه بعد ذلك أن يكون حالاً، وإذا كان حالاً تعلَّق بمحذوف لا بنفس الفعل.

وقوله: «ويجوزُ أن يكون مفعولاً» يعني فتتعلق الباء حينئذٍ بنفس الفعل.

والثاني: أن يتعلَّق ب «كَاتِب» . قال الزَّمخشريُّ: «مُتَعَلِّقٌ بكاتب صفةً له، أي: كاتبٌ مأمونٌ على ما يَكْتُب» ، وهو كما تقدَّم في تأويل قول أبي البقاء. وقال ابن عطيَّة: «والبَاءُ متعلِّقةٌ بقوله:» ولْيَكْتُبْ «، وليست متعلِّقة بقوله» كَاتِبٌ «؛ لأنه كان يلزم ألَاّ يكتب وثيقةً إلا العدل في نفسه، وقد يكتبها الصّبيُّ والعبد» .

الثالث: أن تكون الباء زائدةٌ، تقديره: فليكتب بينكم كاتب بالعدل.

فصل في معنى العدل

في تفسير العدل وجوه:

أحدها: أن يكتب بحيث لا يزيد، ولا ينقص عنه، ويكتب بحيث يصلح أن يكون حجَّة له عن الحاجة إليه.

وثانيها: لا يخصّ أحدهما بالاحتياط له دون الآخر، بل يكتبه بحيث يكون كل

<<  <  ج: ص:  >  >>