واحد من الخصمين آمناً من تمكن الآخر من إبطال حقّه.
ثالثها: قال بعض الفقهاء: العدل أن يكون ما يكتبه متّفقاً عليه بين أهل العلم، بحيث لا يجد قاضٍ من قضاة المسلمين سبيلاً إلى إبطاله على قول بعض المجتهدين.
ورابعها: أن يحترز عن الألفاظ المجملة المتنازع في المراد بها، فهذه الأمور لا يمكن رعايتها إلَاّ إذا كان الكاتب فقيهاً عارفاً بمذاهب المجتهدين، أديباً مميّزاً بين الألفاظ المتشابهة.
قوله: {وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ} وهذا ظاهره نهي الكاتب عن الامتناع عن الكتابة وإيجاب الكتابة على كل من كان كاتباً، وهذا على سبيل الإرشاد، والمعنى: أنَّ الله تعالى لمَّا علمه الكتابة وشرفه بمعرفة أحكام الشَّريعة، فالأولى أن يكتب تحصيلاً لمهمّ أخيه المسلم شكراً لتلك النِّعمة، فهو كقوله تعالى: {وَأَحْسِن كَمَآ أَحْسَنَ الله إِلَيْكَ} [القصص: ٧٧] .
وقال الشعبي: هو فرض كفاية، فإن لم يوجد من يكتب غيره وجب عليه الكتابة، وإن وجد غيره؛ وجبت الكتابة على واحد منهم.
وقيل: كانت الكتابة واجبة على الكاتب، ثمَّ نسخت بقوله تعالى: {وَلَا يُضَآرَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ} .
وقيل: متعلِّق الإيجاب، هو أن يكتب كما علمه الله، يعني: أنَّه بتقدير أنه يكتب، فالواجب أن يكتب كما علَّمه الله، ولا يخلّ بشرط من الشّرائط، ولا يدرج فيه قيداً يُخلّ بمقصود الإنسان.
قوله: {أَنْ يَكْتُبَ} مفعولٌ به، أي: لا يأب الكتابة.
قوله: {كَمَا عَلَّمَهُ الله} يجوز أن يتعلَّق بقوله: {أَنْ يَكْتُبَ} على أنه نعتٌ لمصدر محذوف، أو حالٌ من ضمير المصدر على رأي سيبويه، والتقدير: أن يكتب كتابةً مثل ما علَّمه الله، أو أن يكتبه أي: الكتب مثل ما علَّمه الله.
ويجوز أن يتعلَّق بقوله: «فَلْيَكْتُبْ» .
قال أبو حيَّان: «والظّاهر تعلُّق الكاف بقوله: فَلْيَكْتُبْ» قال شهاب الدين رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى: وهو قلق لأجل الفاء، ولأجل أنه لو كان متعلِّقاً بقوله: «فَلْيَكْتُبْ» ، لكان النَّظم: فليكتب كما علمه الله، ولا يحتاج إلى تقديم ما هو متأخرٌ في المعنى.
وقال الزَّمخشريُّ - بعد أن ذكر تعلُّقه بأن يكتب، وب «فَلْيَكْتُبْ» - «فإِنْ قلت: أيُّ فرقٍ بين الوجهين؟ قلت: إن علَّقته بأن يكتب فقد نهى عن الامتناع من الكتابة المقيَّدة، ثم قيل [له] : فليكتب تلك الكتابة لا يعدل عنها، وإن علَّقته بقوله:» فَلْيَكْتُبْ «فقد نهى