وحمزة والكسائي بعكس هذا، ببناء الأولِ للمفعول، والثاني للفاعلِ، وتوجيه هذه القراءة بأحدِ معنيينِ:
الأول: أنّ الواو لا تقتضي الترتيب، كقوله:
{واسجدي واركعي}[آل عمران: ٤٣] فلذلك قدم معها ما هو متأخرٌ عنها في المعنى، هذا إن حَمَلْنا ذلك على اتحاد الأشخاصِ الذِينَ صدر منهم هذانِ الفعلانِ.
الثاني: أن تحمل ذلك على التوزيع، أي: منهم مَنْ قُتِلَ، ومنهم مِنْ قاتل كقولهم: قُتِلْنا ورَبِّ الكعبة إذا ظهرت أماراتُ القتلِ فيهم وهذه الآيةُ في المعنى كقوله: {قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ}[آل عمران: ١٤٦] والخلافُ في هذه كالخلافِ في قوله: {فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ}[التوبة: ١١١] والتوجيهُ هناك كالتوجيهِ هنا. وقرأ عمر بن عبد العزيز وقَتَلوا وقُتِلوا - ببناء الأولِ للفاعل، والثاني للمفعول - من «فعل» ثلاثياً، وهي كقراءة الجماعة، وقرأ محارب بن دثار: وقَتَلوا وقَاتَلُوا - ببنائهما للفاعل - وقرأ طلحة بن مُصرِّف: وقُتِّلوا وقاتلوا، كقراءة حمزة والكسائي، إلا أنه شدد التاء، والتخريج كتخريج قراءتهما. ونقل أبو حيّان - عن الحسنِ وأبي رجاء - قاتلوا وقتّلوا، بتشديد التاءِ من «قُتّلوا» وهذه هي قراءة ابن كثيرٍ وابن عامرٍ - كما تقدم - وكأنه لم يعرف أنها قراءتهما.
فصل
هذه في المهاجرينَ الذين أخرجهم المشركون من ديارهم، فقوله:{وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِي} أي: في طاعتي وديني.
{لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنهار ثَوَاباً} قوله: «ثواباً» في نصبه ثمانية أوجهٍ:
أحدها: أنه نصب على المصدر المؤكد؛ لأن معنى الجملةِ قبله تقتضيه، والتقدير: لأثيبَنَّهم إثابة أو تثويباً، فوضع «ثَوَاباً» موضع أحد هذينِ المصدرينِ؛ لأن الثوابَ - في الأصل - اسم لما يُثَابُ به، كالعطاء - اسم لما يُعْطَى - ثم قد يقعان موضع المصدر، وهو نظير قوله:{صُنْعَ الله}[النمل: ٨٨] و {وَعْدَ الله}[القصص: ١٣] في كونهما مؤكدينِ.
ثانيهما: أن يكون حالاً من «جَنَّاتٍ» أي: مثاباً بها - وجاز ذلك وإن كانت نكرة؛ لتخصصها بالصفة.