والمراد بالمحصنات ههنا الحرائر [لأنه تعالى أثبت نكاح الإماء عند تعذر نكاح المحصنات، فلا بد أني يكون المراد بهن الحرائر] ؛ لأنه ذكرهن كالضّد الأمَاء ووجه تسميتهن بالمحصنات على قراءة من فتح الصَّاد أنَّهن أحصن بحريتهن عن أحوال الإمَاءِ فإنَّ الأمَةَ تكونُ خراجةً مُمْتهنَةً مُبْتَذِلَةً في الظَّاهِرِ، والحرةُ مصونة عن هذه القَضَايَا، وأمَّا على قراءة كسر الصاد فالمعنى أنهن أحصن أنفسهن بحريتهنَّ.
فصل [في شرط نكاح الأمة]
دلَّتِ الآيَةُ على أنَّهُ لا يجوزُ للحرِّ نكاحُ الأمَةِ إلَاّ بشرطين؛ وهما ألَاّ يجد مهر حرة، ولا ثمن أمة، وأنْ يخاف العَنَتَ، وهو قولٌ جائزٌ، وبه قال طاوس وعمرو بْنُ دينَار، وإليه ذهب مالكٌ والشَّافعيُّ وأحْمَدُ، وجوّز أصحابُ الرَّأي للحر نكاح الأمَةِ.
فإنْ قيل: أيُّ تفاوت بين ثمن الأمة، أو مهرها وبّيْنَ نكاح الحرَّة الفقيرة.
فَالجوابُ: أنَّ العادة كانت في الإماء التخفيف لاشتغالهن بخدمةِ السَّيِّد فظهر التَّفَاوُتُ.
فصل [في حكم نكاح الأمة الكتابية]
دلَّت الآيةُ على أنَّهُ لا يجوز للمُسْلِم نكاحُ الأمَةِ الكتابيَّةِ لقوله:{فَمِنْ مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ} ولقوله: {والمحصنات مِنَ الذين أُوتُواْ الكتاب مِن قَبْلِكُمْ}[المائدة: ٥] ولأن الأمَةَ الكافرةَ ناقِصَةٌ مِنْ وَجْهَيْنِ:
نَقْصُ الرِّقِّ، ونَقْصُ الكُفْرِ، والولدُ تابع للأمِّ في الحريةِ والرق، فيتعلَّقُ الولدُ رقيقاً على مِلْكِ الكافِرِ وجوز أبُو حنيفة ذلك لعموم قوله:{فانكحوا مَا طَابَ لَكُمْ مِّنَ النسآء}[النساء: ٣] وقوله: {وَأَنْكِحُواْ الأيامى مِنْكُمْ}[النور: ٣٢] وقوله: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَّا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} وقوله: {والمحصنات مِنَ الذين أُوتُواْ الكتاب}[المائدة: ٥] والمراد بهذا الإحصان العفّة.
والجَوَابُ أنَِّ آيتنا خاصةٌ، والخاص مُقَدَّمٌ على العام؛ ولأنها دخلها التخصيص فيما إذا كان تحته حرّ"، وَاتَّفَقُوا على أنَّهُ [لا] يجوزُ وطؤها بملك اليمين. انتهى.