والتقدير: ويقول الذين آمَنُوا به، أي: بِاللَّه، ثم حذف للعلْم به، ذكر ذلك أبو البقاء.
وقال ابن عطيَّة بعد حكايته نَصْبَ «ويقُولَ» عَطْفاً على «يَأتيَ» : «وعندي في مَنْع» عسى الله أنْ يقُول المُؤمِنُون «نظرٌ؛ إذ اللَّه - تعالى - يُصَيِّرهم يقولون ذلك بِنَصْرهِ وإظْهَارِ دينه» .
قال شهاب الدِّين: قول ابن عطيَّة في ذلك، قول أبِي البَقَاء في كونه قدَّره ضَمِيراً عائداً على اسم «عَسَى» يَصِحُّ به الرَّبط، ويعضُ النَّاس يكثرُ هذه الأوْجُه، ويُوصِلُهَا إلى سَبْعَة وأكثر، وذلك باعْتِبَار تَصْحيح كُلِّ وَجْه من الأوَّجُه الثلاثة التي تقدَّمت، ولكن لا يَخْرج حاصلها عن ثلاثة، وهو النَّصْب: إما عطفاً على «أنْ يَأتِي» ، وإما على «فَيُصْبِحُوا» ، وإمَّا على «بالفَتْح» وقد تقدم تَحقِيقُهَا.
قوله - تعالى -: {جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ} في انتصَابِه وجهان:
أظهرهما: أنَّه مصدر مؤكدٌ ناصبُهُ «أقْسَمُوا» فهو مِنْ مَعْناه، والمعنى: أقْسَمُوا إقسامَ اجتهادٍ في اليَمِين.
والثاني: - أجازه أبو البقاء وغيره - أنه منصُوب على الحَالِ كَقَوْلهم: «افعل ذلك جَهْدَك» أي: مُجْتَهِداً، ولا يُبَالي بِتَعْرِيفه لَفْظاً، فإنه مُؤوَّل بِنَكِرة على ما تقدَّم ذكره، والمعنى هُنَا: «وأقسموا بالله مجتهدين في أيمانهم» .
قوله تعالى: «إنَّهُم لمَعَكُمْ» هذه الجُمْلَة لا مَحَلَّ لها من الإعراب، فإنها تَفْسِيرٌ وحكاية لِمَعْنَى القَسَم لا لألْفَاظِهِم؛ إذ لو كانَت حِكَاية لألْفَاظِهِم لَقِيلَ: إنَّا مَعَكُم، وفيه نَظَرٌ؛ إذ يجُوز لك أن تقول: «حَلَفَ زيد لأفْعَلَن» أو «ليفْعَلَنَّ» ، فكما جَازَ أنْ تقول: ليفعلن جاز أن يقال: «إنَّهُمْ لَمَعكُم» على الحِكَاية.
فإن قيل: الفائدة في أنَّ المؤمنين يقولون هذا القول: هو أنَّهم يتعجَّبُون من حال المُنَافِقِين، عندما أظهروا المَيْل إلى مُوالاة اليَهُود والنَّصَارى، وقالوا: إنَّهم كانوا يُقسِمُون باللَّه جَهْدَ أيْمانهم أنَّهُم مَعَنَا ومن أنْصَارنا، والآن كيف صاروا مُوالِين لأعْدَائِنَا مُحِبِّين للاختلاط بهم والاعتضاد بهم؟
قوله تعالى: {حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ} فيها أوجه:
حدها: أنَّها جملة مُسْتَأنَفَة، والمقصُود بِهَا الإخْبَار من البَارِي - تعالى - بذلك.
الثاني: أنها دُعَاءٌ عليهم بذلك، وهو قولُ الله - تعالى - نحو: {قُتِلَ الإنسان مَآ أَكْفَرَهُ} [عبس: ١٧] .