حضُورِ الموتِ، و «حِينَ» على ما تقدَّم فيه من الأوجه الثلاثة آنفاً، ولا يجوزُ فيه، والحالةُ هذه: أن يكون ظرفاً للشهادة؛ لئلا يلزمَ الإخبارُ عن الموصول قبل تمامِ صلته، وهو لا يجوزُ؛ لما مرَّ، ولمَّا ذكر أبو حيَّان هذا الوجه، لم يستدركْ هذا، وهو عجيبٌ منه.
الرابع: أنَّ «شَهَادَةُ» مبتدأ، وخبرُها «حِين الوصيَّةِ» ، و «إذَا» على هذا منصوبٌ بالشَّهَادَةِ، ولا يجوز أن ينتصب ب «الوصيَّة» ، وإن كان المعنى عليه؛ لأنَّ المصدر المؤوَّلَ لا يَسْبقه معمولُه عند البصريِّين، ولو كان ظرفاً، وأيضاً: فإنه يلزمُ منه تقديمُ المضافِ إليه على المضافِ؛ لأن تقديم المعمول يُؤذِنُ بتقديمِ العامل، والعاملُ لا يتقدَّم، فكذا معمولُه، ولم يجوِّزوا تقديم معمُولِ المضافِ إلَيْه على المضاف إلا في مسألة واحدة، وهي: إذا كان المضافُ لفظةَ «غَيْر» ؛ وأنشدوا:[البسيط]
ف «عِنْدِي» منصوبٌ ب «مَكفُور» ؛ قالوا: لأنَّ «غَيْر» بمنزلة «لَا» ، و «لَا» يجوزُ تقديمُ معمولِ ما بعدها عليها، وقد ذكر الزمخشريُّ ذلك آخرَ الفاتحةِ، وذكر أنه يجوزُ «أنَا زَيْداً غَيْرُ ضَارِبٍ» دون «أنَا زَيْداً مِثْلُ ضَارِبٍ» ، و «اثنان» على هذين الوجهين الأخيرين يرتفعان على أحد وجهين: إمَّا الفاعلية أي: «يَشْهَدُ اثْنَانِ» يدل عليه لفظ «شَهَادة» ، وإمَّا على خبر مبتدأ محذوف مدلولٍ عليه ب «شهادة» أيضاً أي: الشاهدان اثنان.
الخامس: أنَّ «شهَادَةُ» مُبْتدأ، و «اثْنَانِ» فاعلٌ سدَّ مَسدَّ الخبَر، ذكره أبُو البقاء وغيره، وهو مذهبُ الفرَّاء، إلا أنَّ الفرَّاء قدَّر الشَّهادةَ واقِعةً موقعَ فِعْلِ الأمْر؛ كأنه قال:«لِيَشْهَدِ اثْنَانِ» ، فجعلُه من باب نِيَابةِ المصْدَرِ عن فِعْل الطَّلَبِ، وهو مثل «الحَمْدُ لله» و {قَالَ سَلَامٌ}[هود: ٦٩] ؛ من حيث المعنى، وهذا مذهبٌ ضعيفٌ ردَّه النَّحْوِيُّون، ويخصُّون ذلك بالوصْفِ المعتمد على نَفْيٍ أو استفهامٍ؛ نحو:«أقَائِمٌ أبَواكَ» وعلى هذا المذهب ف «إذَا» و «حِينَ» ظرفان مَنْصُوبان على ما تقرَّر فيهمَا في غير هذا الوجه؛ وقد تَحَصَّلْنا فيما تقدَّم أنَّ رفع «شَهَادَةُ» من وجْهِ واحدٍ؛ وهو الابتداءُ، وفي خبرها خَمْسَة أوجه تقدَّم ذكرُها مُفَصَّلَةً، وأنَّ رفع «اثْنَان» من خَمْسة أوْجُه:
الأول: كونه خَبَراً ل «شَهَادَةُ» بالتَّأويل المذكُور.