الرضا، واليمين حق للمدَّعي، وأن يكون اليمينُ بالله عزَّ وجلَّ حسبُ. وقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ:» مَنْ حَلفَ فليَحْلفْ باللهِ أو ليَصْمتْ، ومَنْ حُلفَ لَهُ فليُصدِّق «.
قوله:{أَلَمْ يعلموا أَنَّهُ مَن يُحَادِدِ الله وَرَسُولَهُ} الآية.
والمقصود من هذه الآية: شرح أحوال المنافقين الذين تخلَّفوا عن غزوة تبوك.
قرأ الجمهور «يَعْلمُوا» بياء الغيبة، رَدّاً على المنافقين، وقرأ الحسنُ، والأعرجُ «تَعْلَمُوا» بتاء الخطاب، فقيل: هو التفاتٌ من الغيبة إلى الخطابِ إن كان المرادُ المنافقين.
وقيل: الخطابُ للمؤمنين. وبهذه التقادير الثلاثة يختلف معنى الاستفهام، فعلى الأول يكون الاستفهام للتقريع والتوبيخ، كقول الإنسان لمن حاول تعليمه مدة وبالغ في التعليم فلم يتعلم، يقال له ألمْ تتعلَّم؟ وإنما حسن ذلك؛ لأنَّهُ طال مكث رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ معهم، وكثر تحذيره من معصية الله، والترغيب في طاعة الله.
وعلى الثاني يكون للتعجب من حالهم، وعلى الثالث يكون للتقرير. والعلم هنا: يحتمل أن يكون على بابه، فتسدَّ «أن» مسدَّ مفعولين عند سيبويه، ومسدَّ أحدهما والآخرُ محذوفٌ عند الأخفش.
وأن يكون بمعنى العرفان، فتسدَّ «أنَّ» مسدَّ مفعوله. و «مَنْ» شرطيَّة، و «فأنَّ لهُ نار» جوابها. وفتحت «أنَّ» بعد الفاءِ، لما تقدَّم في الأنعام. والجملةُ الشرطيةُ في محلِّ رفعِ خبر «أنَّ» الأولى وهذا تخريجٌ واضحٌ. وقد عدل عن هذا التخريج جماعة إلى وجوهٍ أخر، فقال الزمخشريُّ «ويجوزُ أن يكون» فأنَّ لَهُ «معطوفاً» أنَّه «على أنَّ جواب» مَنْ «محذوفٌ، تقديره: ألم يعلموا أنَّه من يُحادد الله ورسوله يهلكْ، فأنَّ لهُ نَار جَهَنَّمَ» وقال الجرمي والمبرد: «أنَّ» الثانية مكررةٌ للتَّوكيد، كأن التقدير: فلهُ نارُ جهنم، وكُرِّرت «أنَّ» توكيداً، وشبَّهه أبو البقاء بقوله تعالى:{ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُواْ السواء}[النحل: ١١٩] ثم قال: {إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا}[النحل: ١١٩] ، قال: والفاءُ على هذا جوابُ الشرط. وردَّ أبو حيان على الزمخشري قوله: بأنَّهم نصُّوا على أنَّه إذا حذف جوابُ الشَّرطِ، لزمَ أن يكون فعلُ الشرط ماضياً، أو مضارعاً مقروناً ب «لَمْ» ، والجوابُ على قوله محذوفٌ وفعل الشَّرطِ مضارعٌ غير مقترنٍ ب «لَمْ» وأيضاً فإنَّا نجدث الكلامَ تامّاً بدون هذا الذي قدَّره.