للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

إلى وجهي تلك الورقة اللطيفة نسبة واحدة، والطبائع إلى وجهي تلك الورقة اللطيفة نسبة واحدة، وثبت أنَّ الطبيعة المؤثرة، متى كانت نسبتها واحدة كان الأثر متشابهاً، وثبت أنَّ الأثر غير متشابهٍ؛ لأنَّ أحد وجهي تلك الورقة في غاية الصفة، والوجه الثاني منها في غاية الحمرة، وهذا يفيد القطع بأنَّ المؤثِّر في حصول تلك الصفات، والألوان، والأحوال - ليس هو الطبيعة؛ بل الفاعل فيها هو الفاعل المختار الحكيم، وهو الله - تعالى - وهذا هو المراد من قوله تعالى: {وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الأرض مُخْتَلِفاً أَلْوَانُهُ} .

ولما كان مدار هذه الحجَّة على أنَّ المؤثر الموجب بالذاتِ وبالطبيعةِ، يجب أن تكون نسبته إلى الكل متشابهة - لا جرم ختم الآية بقوله تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ} فلمَّا دلَّ الحسُّ في هذه الأحكام النباتيَّة على اختلاف صفاتها، وتنافر أحوالها - على أنَّ المؤثِّر فيها ليس هو الطبيعة - ظهر أنَّ المؤثر فيها ليس موجباً بالذاتِ؛ بل الفاعل المختار - سبحانه وتعالى -.

فإن قيلك لا يقال: سخَّرتُ هذا الشيء مسخَّراً.

فالجواب: أنَّ المعنى: أنه - تعالى - سخر لنا هذه الأشياء حال كونها مسخرةً تحت قدرته وإذنه.

فإن قيل: التسخيرُ عبارة عن القهر والقسر، ولا يليق ذلك إلَاّ بمن هو قادر يجوز أن يقهر؛ فكيف يصحُّ ذلك في اللَّيل والنهار، وفي الجمادات؛ كالشمس والقمر؟ .

فالجواب من وجهين:

الأول: أنه - تعالى - لما دبَّر هذه الأشياء على طريقة واحدة مطابقة لمصالح العباد، صارت شبيهة بالعبدِ المنقادِ المطواع؛ فلهذا المعنى أطلق على هذا النَّوع من التَّدبير لفظ التَّسخيرِ.

والجواب الثاني: لا يستقيمُ إلَاّ على مذهب علماء الهيئة؛ لأنهم يقولون: الحركة الطبيعية للشمس والقمر، هي الحركة من المغرب إلى المشرقِ، والله تعالى سخر هذه الكواكب بواسطة حركة الفلك الأعظم من المشرق إلى المغرب، فكانت هذه الحركة قسرية؛ فلذلك أطلق عليها لفظ التسخير.

فإن قيل: إذا كان لا يحصل للنهار والليل وجود إلا بسبب حركات الشمس؛ كان ذكر الليل والنهار مغنياً عن ذكر الشمس، فالجواب: حدوث النهار واللّيل ليس بسبب [حدوث] حركةِ الشمس؛ بل حدوثهما سبب حركة الفلك الأعظم الذي دلَّ الدليل على أن حركته ليست إلا بتحريكِ الله - تعالى - وأما حركةُ الشمسِ، فَإنَّها علة لحدوث السنة، لا لحدوث اليومِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>