السنة كانت موازنة فحكم به، كما قال الشافعي: فيمن غصب عبداً فأبق من يده أنه يضمن القيمة فينتفع بها المغصوب منه بإيزاء ما فوته الغاصب من منافع العبد فإذا ظهر ترادّا.
فصل
إذا ثبت أنّ تلك المخالفة كانت مبنية على الاجتهاد، فهل تدل هذه القصة على أَنَّ المصيب واحد، أو الكل مصيبين؟ فمن قال: إنَّ المصيب واحد استدل بقوله تعالى {فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ} قال: ولو كان الكل مصيبون لم يكن لتخصيص سليمان بهذا التفهيم فائدة. وأما القائلون بأنَّ الكل مصيبون فمنهم من استدل بقوله تعالى {وَكُلاًّ آتَيْنَا حُكْماً وَعِلْماً} ، ولو كان المصيب واحداً ومخالفه مخطئاً لما صح أن يقال:{وَكُلاًّ آتَيْنَا حُكْماً وَعِلْماً} قال ابن الخطيب: وكلا الاستدلالين ضعيف أما الأول: فلأنّ الله - تعالى - لم يقل إنه فهم الصواب، فيحتمل أنه فهممه الناسخ، ولم يفهم ذلك داود، فكان كل واحد منهما مصيب فيما حكم به على أن أكثر ما في الآية أنَّها دالة على أنَّ داود وسليمان ما كانا مصيبين، وذلك لا يوجب أن يكون الأمر كذلك في شرعنا.
واما الثاني: فلأنه تعالى لم يقل: كلاًّ آتيناه فيما حكم به هنا، بل يجوز أنْ يكون إيتاؤه حكماً في شرعهم أنْ يكون الأمر كذلك في شرعنا.
قوله تعالى:{وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الجبال يُسَبِّحْنَ} هذه من النعم التي خصَّ بها داود فقوله: «يُسَبِّحْنَ» في موضع نصب على الحال.
«والطَّيْرَ» يجوز ان ينتصب نسقاً على «الجِبَالَ» ، وأن ينتصب على المفعول معه وقيل:«يسبِّحْنَ» مستأنف فلا محل له. وهو بعيد. وقرئ «وَالطَّيْرُ» رفعاً وفيه وجهان:
أحدهما: أنه مبتدأ والخبر محذوف، أي: والطير مسخرات أيضاً.