والثاني: أنه نسق على الضمير في «يُسَبِّحْنَ» ، ولم يؤكد ولم يفصل، وهو موافق لمذهب الكوفيين.
فصل
قال ابن عباس:(كان يفهم) تسبيح الحجر والشجر.
وقال وهب: كانت الجبال تجاوبه بالتسبيح، وكذلك الطير.
وقال قتادة:«يُسَبِّحْنَ» أي: يصلين مع إذا صلى. وقيل: كان داود إذا فتر سمعه الله تسبيح الجبال والطير لينشط في التسبيح ويشتاق إليه.
وقال بعض المفسرين: إنه يحتمل أن يكون تسبيح الجبال والطير بمثابة قوله: {وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَاّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ}[الإسراء: ٤٤] وتخصيص داود - عليه السلام - بذلك إنما كان بسبب أنه كان يعرف ذلك ضرورة فيزداد يقيناً وتعظيماً.
وقالت المعتزلة: لو حصل الكرم في الجبل لحصل إما بفعله أو بفعل الله فيه، والأول محال، لأن بنية الجبل لا تحتمل الحياة والعلم والقدرة، وما لا يكون حياً قادراً عاقلاً يستحيل مه الفعل.
والثاني محال، لأن المتكلم عندهم من كان فاعلاً للكلام لا من كان محلاً للكلام فلو كان فاعل ذلك الكلام هو الله لكان المتكلم هو الله لا الجبال. فثبت أنَّه لا يمكن إجراؤه على ظاهره، فعند هذا قالوا: معنى قوله: {وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الجبال} قوله: {ياجبال أَوِّبِي مَعَهُ}[سبأ: ١٠] أي: تصرفي معه وسيري بأمره. ومعنى «يُسَبِّحْنَ» من السبح الذي هو السباحة خرج اللفظ فيه على التكثير ولو أفرد لقيل: اسبحي، فلما كثر قيل سبحي معه، أي: سيري وهو كقوله: {إِنَّ لَكَ فِي النهار سَبْحَاً طَوِيلاً}[المزمل: ٧] أي: تصرفاً ومذهباً، إذا ثبت هذا فنقول: إن سيرها هو التسبيح لدلالته على قدرة الله. واعلم أنّ مدار هذا القول على أن بنية الجبال لا تقبل الحياة، وأن المتكلم من فعل الكلام، وكلاهما ممنوع، وأما «