الطّيْر» فلا امتناع أن يصدر عنها الكلام، ولكن أجمعت الأمة على أنّ المكلفين إمَّا الجن والإنس والملائكة فيمتنع فيها أن تبلغ في العقل إلى درجة التكليف بل يكن حاله كحال الطفل في ان يُؤْمر ويُنْهَى.
وإن لم يكن مكلفاً فصار ذلك معجزة من حيث جعلها في الفهم بمنزلة المراهق. وأيضاً فيه دلالة على قدرة الله وعلى تنزيهه عمّا لا يجوز فيكون القول فيه كالقول في الجبال. وقدم الجبال على الطير، لأن تسخيرها وتسبيحها أعجب وأدل على القدرة وأدخل في الإعجاز، لأنها جماد والطير حيوان.
ثم قال:«وَكُنَّا فَاعِلِينَ» أي: قادرين على أنْ نفعل وإنْ كان عجباً عندكم وقيل: نفعل ذلك بالأنبياء - عليهم السلام -.
الإنعام الثاني قوله:{وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ} الجمهور على فتح اللاتم من «لَبُوسٍ» وهو الشيء المعد للبس قال الشاعر:
والمراد باللبوس هنا الدرع لأنها لا تلبس، وهي في اللغة اسم لكل ما يلبس. ويستعمل في الأسلحة كلها، وهو بمعنى الملبوس كالحلوب والركوب.
وقرئ «لُبُوس» بضم اللام، وحينئذ إما أنْ يكون جمع لُبْس المصدر الواقع موقع المفعول، وإما أنْ لا يكون واقعاً موقعه، والأول أقرب. و «لَكُمْ» يجز أن يتعلق ب «عَلَّمْنَاه» ، وأن يتعلق ب «صَنْعَةَ» قاله أبو البقاء، وفيه بُعْد. وأن يتعلق بمحذوف على أنه صفة ل «لَبُوس» . قال قتادة: أول من صنع الدروع وسردها وحلقها داود وإنما كانت صفائح.
قوله:«لِتُحْصِنَكُم» . هذه لام كي، وفي متعلقها أوجه:
أحدها: أن تتعلق ب «عَلَّمْنَاهُ» ، وهذا ظاهر على القولين الآخرين وأما على