للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهؤلاء قد نسوا أنه لو كان الإله جوهرًا لجاز عليه ما يجوز على الجواهر من التحيز بمكان والتحرك والسكون والألوان (١)!

• ثم سول لبعضهم أن المسيح هو الله، قال أبو محمد النُّوبَخْتي: زعمت الملكية واليعقوبية أن الذي ولدت مريم هو الإله، وسول الشيطان لبعضهم أن المسيح ابن الله، وقال بعضهم: المسيح جوهران: أحدهما: قديم، والآخر: محدث.

ومع قولهم هذا في المسيح يقرون بحاجته إلى الطعام، ولا يختلفون في أنه صلب ولم يقدر على الدفع عن نفسه، ويقولون: إنما فعل هذا بالناسوت. (٢) فهلا دفع عن الناسوت ما فيه من اللاهوت (٣)!

• ثم لبس عليهم أمر نبينا حتى جحدوه بعد ذكره في الإنجيل (٤)، ومن


(١) الألفاظ نوعان:
- ألفاظ وردت بها الأدلة الشرعية من الكتاب والسنة واتفق على إثباتها السلف، فهذه يجب على كل مؤمن أن يؤمن بها.
- ألفاظ لم ترد بها النصوص الشرعية، مما تنازع فيه المتأخرون نفيًا وإثباتًا، فهذه ليست على أحد، بل ولا له أن يوافق أحدًا على إثبات لفظ منها أو نفيه حتى يعرف مراده: فإن أراد حقًا قُبل، وإن أراد باطلًا رُد، وإن اشتمل كلامه على حق وباطل لم يُقبل مطلقا ولم يرد جميع معناه، بل يوقف اللفظ ويُفسر المعنى. ومن هذا القبيل لفظ: الجوهر، والجهة، والحيز، والجسم، والعرض .. ولهذا كانت طريقة ابن الجوزي هنا هي نفس طريقة المتكلمين من الأشاعرة وغيرهم، في الرد على النصارى في قولهم بالجوهر.
انظر: التدمرية لابن تيمية (ص ٦٥ - ٦٦)، ودرء التعارض له (١/ ٢٢٢ - ٢٢٣)، والتمهيد للباقلاني (ص ٩٣)، والشامل للجويني (ص ٥٧١)، والداعي لابن الأنباري (ص ٣٦٠).
(٢) الناسوت: لفظة مشتقة من الناس، كالرحموت من الرحمة. انظر: مفاتيح العلوم (ص ٥٢).
(٣) اللاهوت: لفظة مشتقة من اسم الله تعالى، كالرحموت من الرحمة. انظر مفاتيح العلوم (ص ٥٢).
(٤) البشارة بالنبي محمد بن عبد الله على لسان عيسى ابن مريم ثابتة بنص القرآن، قال الله تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَابَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ﴾ [الصف: ٦]. =

<<  <   >  >>