فهذه المعاني صحيحة، لكن أُدخل في هذا النفي المعاني السلبية، فجعل نفاة هذا اللفظ ما يوصف به الباري تعالى من صفات الكمال الثبوتية مستلزمة لكونه جسمًا، مما يؤدي في نهاية المطاف إلى التعطيل المحض، ولهذا كل من نفى شيئًا قال لمن أثبته: إنه مجسّم. فغلاة النفاة من الجهمية والباطنية يقولون لمن أثبت لله تعالى الأسماء الحسنى: إنه مجسم. ومثبتة الأسماء دون الصفات من المعتزلة ونحوهم، يقولون لمن أثبت الصفات: إنه مجسم. ومثبتة الصفات دون ما يقوم به من الأفعال الاختيارية كالأشاعرة، يقولون لمن أثبت ذلك: إنه مجسم. وكذلك سائر النفاة. وإن كان المقصود من إطلاق هذا اللفظ يستلزم نفي اتصافه تعالى بالصفات بحيث لا يُرى، ولا يتكلم بكلام يقوم به، ولا يباين خلقه، ولا يصعد إليه شيء، ولا ينزل منه شيء، ولا يعلو على شيء .. ونحو ذلك من المعاني السلبية التي لا يعقل أن يتصف بها إلا المعدوم؛ فلا شك في بطلان هذا الإطلاق ومخالفته للشرع وبدائه العقول والفِطر. وما قيل في لفظ "الجسم" يُقال في لفظ "الجوهر"، وما شابههما من ألفاظ مجملة. انظر: درء تعارض العقل والنقل (٢/ ١١)، (٤/ ١٤٦ - ١٤٩)، منهاج السُّنة (٢/ ٢١١ - ٢١٤، ٥٤٩ - ٥٥٤)، شرح حديث النزول (٢٣٧ - ٢٤٣)، مجموع الفتاوى (٦/ ١٠٢ - ١٠٦)، الصواعق المرسلة لابن القيّم (٣/ ٩٣٩ - ٩٤٣). (١) قال شيخ الإسلام ابن تيمية ﵀ (أما مقاتل بن سليمان فالله أعلم بحقيقة حاله. والأشعري ينقل هذه المقالات من كتب المعتزلة، وفيهم انحراف على مقاتل بن سليمان، فلعلهم زادوا في النقل عنه، أو نقلوا عنه [لعل هذه الجملة الأخيرة خطأ مطبعي ناشئ عن انتقال نظر]، أو نقلوا عن غير ثقة، وإلا فما أظنه يصل إلى هذا الحد. وقد قال الشافعي: من أراد التفسير، فهو عيال على مقاتل). منهاج السُّنة (٢/ ٦١٨ - ٦١٩). وانظر الدراسة التي أجراها الدكتور عبد الله شحاتة في مقدمة تحقيق كتاب "الأشباه والنظائر" لمقاتل بن سليمان (٥٠ - ٥٣)، وممّا ذكره في استبعاد هذه التهمة عن مقاتل: ١ - هذا القول مما انفردت به كتب المقالات والفِرق، دون كتب التراجم والتاريخ. ٢ - كتب مقاتل خالية من الأقوال بالتجسيم. وانظر: دراسة الأخ محمد السحيباني في كتابه "منهج الشهرستاني في كتاب الملل والنحل، (٤٠٤ - ٤٠٦) فقد ذكر أوجهًا أخرى في نفي تهمة التجسيم عن مقاتل بن سليمان. (٢) الذي أرجحه أن هذا الكلام اختلق على نعيم بن حماد؛ لأن المشهور عنه هو ذم المشبهة، كما أنه كان من مثبتة الصفات على وفق مذهب السلف، فمن أقواله الجامعة في ذلك قوله: (من شبه الله بخلقه كفر، =