وما نقله المصنف هو من اختلاق خصومه الجهمية، بعدما تركهم ورجع إلى الحديث، كما قال هو عن نفسه: (أنا كنت جهميَّا، فلذلك عرفتُ كلامهم، فلما طلبتُ الحديث عرفتُ أن أمرهم يرجع إلى التعطيل). والمنقول عنه هنا هو النُّوبَخْتي الشيعي، الذي قال عنه شيخ الإسلام ابن تيمية: (في أواخر المائة الثالثة دخل من دخل من الشيعة في أقوال المعتزلة، كابن النُّوبَخْتي صاحب "الآراء والديانات، وأمثاله" منهاج السنة (١/ ٧٢)، وبخاصة إذا اعتبرنا ضعفه في الحديث وروايته المناكير؛ إذ من هذه الأخيرة كانت بليّته، ومن الأمثلة على ذلك روايته حديث أم الطفيل أنها سمعت النبي ﷺ، يذكر "أنه رأى ربه تعالى في المنام في أحسن صورة، شابًا موفرًا، رِجلاه في خُف .. "، الذي بسببه هجّنه يحيى بن معين وقال: ما كان ينبغي أن يحدّث بمثل هذا الحديث. وهذا الحديث -كما قال الذهبي- منكر جدًا. أما من حديث ديانة الرجل والتزامه بالسنة، فهذا محلّ اتفاق بين أهل العلم، يكفيه أنه قُتل مظلومًا في فتنة خلق القرآن التي رفض أن يجيب المبتدعة إليها، فقتل مقيدًا ورُمي في حفرة، ولم يكفن ولم يصلّ عليه، رحمة الله عليه. انظر: تاريخ بغداد (١٣/ ٣٠٦ - ٣١١)، السير (١٠/ ٦٠٢)، بيان تلبيس الجهمية (١/ ١٠٩)، الفتوى الحموية الكبرى (ص ٢٦٨). (١) الكلام في هذا النقل من جانبين: الجانب الأول: قوله: إن الله صورة: فهذا من ابن الجوزي حكاية لقول على ما فهمه هو بناءٌ على اعتقاده في نفي الصورة، وليست نقلًا لقول بنصه؛ لأن ثبوت الصورة ﷿ كثبوت سائر الصفات التى جاءت منصوصة في الكتاب والسنة، ومنها قوله ﷺ: "رأيت ربي في أحسن صورة .. ". قال ابن قتيبة: (الصورة ليست بأعجب من اليدين والأصابع والعين، وإنما وقع الإلف لتلك لمجيئها في القرآن، ووقعت الوحشة من هذه لأنها لم تأت في القرآن، ونحن نؤمن بالجميع ولا نقول في شيء منه بكيف ولا حدّ). تأويل مختلف الحديث (ص ٢٢١). وانظر: شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري للغنيمان (٢/ ٣٩ - ٩٩)، الآثار الواردة عن أئمة السلف لجمال بادي (١/ ٢٨٥ - ٢٩٦). الجانب الثاني: المنقول عن داود أنه قال بأن الباري تعالى جسم، كما سيأتي بعد قليل في كلام المصنف. والخطأ العظيم هو في إثبات الأعضاء لله تعالى على مثال الجوارح، كما هو في نفي صفة ثابتة لله تعالى.