(٢) المصنف ﵀ لم يحرر مذاهب الناس في الصفات الاختيارية التي اتصف بها الباري جل وعلا، ولذلك نجد هذا الخلط في إيراد المقالات، وذكر العقائد، بل ذهب إلى أبعد من ذلك عندما شرع في تفسير مذاهبهم المختلفة بلوازمها الحسية، وهذا لم يكن منهج السلف الذين أثبتوا هذه الصفات الاختيارية. وما نسبه لمثبتة الاستواء والنزول من القول بالمساحة والمقدار والنهاية على ذات الباري جل وعلا، لم نجد من فعله حتى في كتّاب المقالات من الأشاعرة وغيرهم، فهذا عبد القاهر البغدادي ينسب هذه الآراء إلى غلاة الرافضة كالهشامية، أتباع ابن الحكم أو الجواليقي، الذين زعموا أن معبودهم سبعة أشبار بشبر نفسه، وأنه على مقدار مساحة العرش، كما نسبها إلى الكرامية الذين زعموا أن الباري تعالى له حدّ واحد من جهة السفل، ومنها يلاقي العرش. ونفي الصفات الاختيارية عن الباري تعالى، بحجة نفي الحدود، والأحياز، والجهات عنه تعالى، هو من الشبه التي شبّه بها الجهمية، وأوهموا الناس أن مقصودهم بذلك، أنه لا تحصره المخلوقات، ولا تحوزه المصنوعات، وهذا المعنى صحيح، لكن مقصودهم الصحيح أنه ليس له فعل اختياري يقوم بنفسه، وأنه لا يقدر على استواء، أو نزول، أو إتيان، أو مجيء .. فمن حاول التنزيه بعد ذلك سلك مسلك التأويل؛ هروبًا من التعطيل أو التشبيه، وتشبث بألفاظ تنقل عن بعض الأئمة، وتكون إما غلطًا أو محرّفة. انظر: أصول الدين للبغدادي (ص ٧٣)، درء تعارض العقل والنقل لابن تيمية (٢/ ١١ - ١٢)، شرح حديث النزول (٢١٠ - ٢٣٠). (٣) أخرجه البخاري (٣/ ٢٩ رقم ١١٤٥)، و (١١/ ١٢٨ رقم ٦٣٢١)، و (١٣/ ٤٦٤ رقم ٧٤٩٤)، ومسلم =