للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

° قال القاضي أبو يعلى: وقد ذهبت الحلولية إلى أن الله تعالى يعشق (١).

قال المصنف: قلت: وهذا جهل من ثلاثة أوجه:

° أحدها: من حيث الاسم، فإن العشق عند أهل اللغة لا يكون إلا لما ينكح (٢).

° والثاني: أن صفات الله منقولة (٣)، وهو يُحِبُّ ولا يقال يَعْشَق، ويُحَب ولا يقال: يُعْشَق، كما يقال يُعرف ولا يقال يُعلم (٤).


(١) كتاب المعتمد في أصول الدين (ص ٧٦) وعبارته: (وذات الباري لا يجوز أن تُعشق، خلافًا للحلولية في قولهم: إنها تُعشق).
(٢) لأنه مقرون بالشهوة، انظر: الكليات للكفوي (ص ٣٩٨). وقد نقل شيخ الإسلام ابن تيمية كلامًا لأبي عبد الله بن خفيف وهو من شيوخ الصوفية، ورد في كتاب له سمّاه "اعتقاد التوحيد": (وإن مما نعتقده: ترك إطلاق تسمية "العشق" على الله تعالى) ثم بيّن أن ذلك لا يجوز لاشتقاقه، ولعدم ورود الشرع به، ثم قال: (أدنى ما فيه أنه بدعة وضلالة، وفيما نص الله من ذكر المحبة كفاية) مجموع الفتاوى (٥/ ٨٠).
(٣) أي: ورد بها النقل من الكتاب والسنُّة، والمقصود أنها توقيفية، وهاهنا فرق بين ما يُطلق على الرب جل وعلا من باب الإخبار، وبين ما يطلق عليه تعالى من باب الأسماء والوصف، فالأول أوسع من الثاني، وبيانه: أن ما يطلق على الرب جل وعلا في باب الأسماء والصفات توقيفي، وما يطلق عليه من باب الإخبار، لا يجب أن يكون توقيفيًا، مثل قولنا: القديم، والشيء، والموجود، والقائم بنفسه .. غير أن هذه الأخيرة لا يشرع دعاء الله بها، أو التعبد له تعالى بها، بخلاف ما ورد به النقل من أسماء الله تعالى الحسنى، وصفاته العلى. فهذا فصل الخطاب -كما قال ابن القيم- في مسألة أسمائه تعالى وصفاته هل هي توقيفية، أو يجوز أن يطلق عليه بعض ما لم يرد به السمع. انظر: بدائع الفوائد لابن القيم (١/ ١٦١ - ١٦٢)، شرح العقيدة الأصفهانية لابن تيمية (ص ٥)، القواعد الكلية للأسماء والصفات عند السَّلف، د. البريكان (ص ١٣٧ - ١٤٣)، أسماء الله الحسنى للغصن (ص ١٤١ - ١٤٢).
(٤) قول المصنف هذا متعقب، فقال قال الله تعالى: ﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ﴾ [محمد: ١٩]، وقال: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾ [فاطر: ٢٨]، وكان رسول الله أعلم الخلق بالله.
والظاهر أن هذا قول أهل التصوف الذين اصطلحوا على لفظ "العارف"، وبنوا عليه لوازم فاسدة، منها: أن العارف إذا فني في التوحيد صار لا يستحسن حسنة ولا يستقبح سيئة. انظر: مجموع الفتاوى (٨/ ١٠١).

<<  <   >  >>