للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقفتَ. فوقفَ ساعةً فأقْبَلَ يُصَعِّدُ النظرَ فيهِ ويُصَوِّبُه، ثم ذهبَ ليمضِي، فقال: سألتُكَ بالواحدِ الأحدِ الجبارِ الصَّمدِ الذي لم يلِدْ ولم يولدْ إلا وقفْتَ. فوقفَ ساعةً فنظرَ إليهِ طويلًا، ثم ذهبَ ليمضِي، فقال: سألتُكَ باللطيفِ الخبيرِ السميعِ البصيرِ ومن ليس لهُ نظير إلَّا وقفتَ، فوقفَ. فأقْبلَ ينظُرُ إليهِ، ثم أطْرَقَ إلى الأرضِ، ومضى الغلام، فرفعَ رأسَه بعدَ طويلٍ وهو يبكِي، فقال: لقد ذكَّريب هذا بنَظَرِي إليهِ وجهًا جلَّ عن التَّشبيهِ، وتقدَّسَ عن التَّمثيلِ، وتعاظمَ عن التَّحديدِ! واللهِ لأجهدنَّ نفسي في بلوغِ رضاهُ بِمُجاهدتي جميعَ أعدائِه ومُوالاتِي لأوليائهِ حتَّى أصِير إلى ما أرَدْتُهَ من نَظَري إلى وجهِهِ الكريمِ وبَهائِهِ العظيمِ، ولَودِدْتُ أنه قد أَرَانِي وجهَهُ وحَبَسَنِي في النَّار ما دامتِ السماواتُ والأرضُ. ثم غشي عليهِ (١).

• أخبرنا المحمدان: ابنُ ناصِر وابنُ عبد الباقي، قالا: أخبرنا حَمَد بن أحمد، قال: أخبرنا أبو نُعَيمٍ الحافظ، قال: نا أبو الحسنِ محمدُ بنُ محمد بن عبيدِ الله، قال: سَمِعتُ أَخي أبا عبدِ الله محُمدَ بن محمدٍ يقول: سمعتُ محمد بن عبدِ الله الرازي، قال: سمعتُ خَيرًا النَّسَّاج يقول: كنتُ مع مُحَارِب بن حسَّان الصُّوفي في مَسْجدِ الخيف ونحنُ مُحرمانِ، فجلسَ إلينا غُلامٌ جميلٌ مِن أهلِ المغربِ، فرأيتُ مُخارقًا ينظرُ إليهِ نظرًا أنكرته، فقلتُ لهُ بعدَ أن قامَ: إنَّكَ حرامٌ في شَهرٍ حرامٍ في بلدٍ حرامٍ في مَشْعرٍ حرامٍ، وقد رأيتُكَ تنظُر إلى هذا الغلامِ نظرًا لا ينظرُهُ إلَّا المفْتِنون. فقال لي: تقولُ هذا يا شَهْوانِيَّ القلبِ والطَّرْفِ، ألم تعلم أنهُ قد منَعَني مِن الوقوعِ في شركِ إبلِيسَ ثلاثٌ؟! فقلت: وما هي؟ قال: سرُّ الإيمانِ وعِفَّةُ الإسلامِ وأعظَمُهَا عندي الحياءُ من اللهِ تَعالى أنْ يَطَّلِع علَيَّ وأنا جاثِمٌ على مُنكرٍ نهاني عنهُ. ثم صُعِقَ حتى اجتمعَ الناسُ علينا (٢).


(١) أخرجه أبو محمد جعفر بن أحمد السرَّاج في مصارع العشاق ٢/ ٢٠.
(٢) أخرجه أبو نعيم في حلية الأولياء ١٠/ ١٥٥.

<<  <   >  >>