للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال المصنِّفُ : انظروا إلى جَهلِ الأحْمقِ الأوَّلِ، ورمزُه بالتَّشبيهِ وإنْ تلَفَّظَ بالتَّنْزيهِ، وإلى حماقةِ هذا الثَّاني الذي ظنَّ أن المعصِيةَ هي الفاحِشةُ فقط، وما عَلِم أنَّ نَفْس النَّظَرِ بشَهْوةٍ محُرَّمٌ، ومحَا عن نفسهِ أثرَ الطَّبع بِدعواهُ الَّتي تُكَذِّبُها شهوةُ النظرِ.

• وقد حكي عن بعضِ العُلماءِ أنَّ صَبِيًا أمْردَ حكى له، قال: قال لي فلانٌ الصُّوفيُّ وهو يُحِبُّني: يا بُني، للهِ إليك إقبالٌ والتفات، حيثُ جعلَ حاجَتي إليكَ.

• وحكى لي أنَّ جماعةً منَ الصُّوفيَّةِ دخلوا على أحْمَد الغزالي وعنده أمردٌ، وهو خالٍ بهِ، وبَيْنَهُما وِرْدٌ، وهو ينُظُر إلى الوِردِ تارة، وإلى الأمردِ تارةً، فلمَّا جلسُوا قالَ بعضهُم: لعلَّنا كَدَّرْنَا، فقال: إي والله. فتصايحَ الجماعةُ على سبيلِ التَّواجُد!

وحكى لي عنهُ أبو الحُسينِ بن يوسفَ أنَّه كتب إليهِ في رُقعةٍ: إنَّكَ تحب غلامَكَ التُّركِي. فقرأ الرُّقعةَ ثم استَدعى الغُلامَ، فصعد المنبر إليهِ فقبَّل عينَيهِ وقال: هذا جوابُ الرُّقعةِ (١).

قال المصنِّفُ : قلت: إني لا أعْجَبُ مِن فِعلِ هذا الرَّجلِ وإِلقائِهِ جِلبابَ الحياءِ عن وجهِه، وإنما أَعْجبُ مِن البهائمِ الحاضِرينَ، كيفَ سكتُوا عن الإنكارِ عليهِ؟! ولكنَّ الشريعةَ برَدتْ في قُلوبِ كثيرٍ من الناسِ!

• وأخبرنا أبو القاسمِ الحريريُّ، قال: أنبأنا أبو الطَّيِّبِ الطَّبري، قال: بَلَغَني عن هذ الطائفةِ التي تسمَعُ السَّماعَ أنَّها تُضيفُ إليهِ النظرَ إلى وَجهِ الأمردِ، ورُبَّما زَيَّنَتْهُ بالْحُليِّ والمُصَبَّغَات مِن الثِّيابِ، وتزعمُ أنَّها تقصِدُ به الازدِيادَ في الإيمانِ بالنظرِ والاعتبارِ والاستدْلالِ بالصنعةِ على الصَّانِعِ، وهذهِ النِّهايةُ في مُتابعةِ الهوى ومُخَادعةِ العقلِ ومُخالفَةِ


(١) ذكر هذه القصة عنه المؤلف في المنتظم ٩/ ٢٦٢.

<<  <   >  >>