للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

العلمِ، قال الله تعالى: ﴿وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ﴾ [الذاريات: ٢١]، وقال: ﴿أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ﴾ [الغاشية: ١٧]، وقال: ﴿أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ [الأعراف: ١٨٥] فعدَلُوا عمَّا أمَرَهمُ اللهُ بهِ من الاعتبارِ إلى ما نهاهُم عنه (١)!

وإنَّما تَفعلُ هذهِ الطائفةُ ما ذكرناهُ بعد تناوُل الألوانِ الطيِّبَةِ والمآكِلِ الشَّهِّية، فإذا اشتَفَت منها نفوسُهم طالَبَتْهُم بما يَتبعُها مِن السَّماعِ والرَّقصِ والاستِمتَاعِ بالنظرِ إلى وُجوهِ المردِ، ولَو تَقلَّلُوا منَ الطَّعامِ لم يَحِنُّوا إلى سَماعٍ ونظرٍ (٢).

قال أبو الطَّيِّبِ: وقد أخبرَنا بعضُهم في شِعرِه عن أحوَال المستَمِعِينَ للغِناءِ وما يَجِدونَهُ في حالِ السَّماعِ فقال:

أتَذْكُرُ وَقْتَنَا وقَد اجْتَمَعْنَا … على طِيبِ السَّماعِ إلى الصَّباح

ودارت بَينَنَا كأسُ الأغَانِي … فَأُسْكِرَت النُّفوسُ بِغَيرِ راح

فلَمْ تَرَ فِيهِم إلَّا نَشَاوَى … سرودًا والسّرورُ هُناكَ (٣) صَاحِي

إذا لَبَّى أخو اللَّذَّاتِ فيهِ … مُنادِي اللَّهْوِ حَيَّ على السَّماح

وَلم نَملِكْ سِوى المُهْجاتِ شَيئًا … أَرَقْنَاهَا لأَلحْاظٍ مِلاح

قال: وإذا كانَ السَّماعُ تأثيرُهُ في قُلوبهم ما ذكَرَهُ هذا القائل، فكيفَ يُجْدِي السَّماعُ نَفْعًا ويفيد فائدةً؟! (٤)


(١) انظر: الرد على من يحب السماع لابن طاهر الطبري ص ٦٥.
(٢) انظر: الرد على من يحب السماع لابن طاهر الطبري ص ٦٨.
(٣) في (أ) و (م): متاح.
(٤) انظر: السماع لأبي الطيب الطبري ص ٥٠ وذكرها الطرطوشي في تحريم الغناء والسماع ص ١٩٨. وقال معلقًا عليها: فتأمَّلوا يا ذوي الألباب أمرًا يُثير لهوًا وسكرًا وقتلًا كيف يجدي نفعًا ويفيد طاعة وذكرًا! ونقل هذه الأبيات ابن القيم في إغاثة اللهفان ١/ ٢٧٩.

<<  <   >  >>