للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال ابنُ عقيلٍ: قولُ من قالَ لا أخافُ من رُؤيَةِ الصُّوَرِ المُسْتَحْسَنة ليسَ بِشيءٍ؛ فإنَّ الشريعةَ جاءَت عامةَ الخطابِ، لا تُمَيِّزُ الأشخاصَ، وآي القُرآن تُنكِر هذه الدعاوى، قال الله تعالى: ﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ﴾ [النور: ٣٠]، وقال: ﴿أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ (١٧) وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ (١٨) وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ﴾ [الغاشية: ١٧ - ١٩].

فلم يُحِلَّ النظرَ إلَّا على صُورٍ لا ميلَ للنَّفسِ إليها، ولا حظَّ للهَوى فيها، بلْ عِبْرَةٌ لا يُمازِجُها شهوةٌ، ولا تَعتريها لذَّةٌ، وأمَّا صُورُ الشَّهواتِ فإنها تَعْثُرُ (١) عن العِبرة بالشَّهوةِ، وكلُّ صورةٍ مُعَثِّرة لا ينبغِي أن يُنظَرَ إليها؛ لأنَّها قد تكونُ سببًا لِلفِتْنة ولذلكَ ما بعثَ اللهُ تعالى امرأَةً بالرِّسالةِ، ولا جَعَلها قاضيًا ولا إمامًا ولا مُؤذِّنًا؛ كلُّ ذلك لأنَّها مَحَلُّ فتنةٍ وشهوةٍ، وربَّما قَطَعت عمَّا قَصَدتْهُ الشريعةُ بالنظرِ.

وكل من قال: أنا أجِدُ مِن الصُّوَرِ المُسْتَحْسنة عِبَرًا، كذَّبناه، وكلُّ من ميز نفسَهُ بطبيعةٍ تُخرِجُهُ عن طِباعِنا بالدَّعوى كذَّبْنَاه، وإنَّما هذِه خدَعُ الشيطانِ للمُدَّعين (٢).

القسم الخامس: قومٌ صَحِبوا المُرْدانَ ومنعوا أنفُسَهُم من الفواحشِ، يَعْتقدون ذلكَ مُجَاهدةً، وما علِموا أن نَفْسَ صُحْبَتِهِم والنظرَ إليهِم بشهوةٍ معصيةٌ، وهذهِ مِن خِلالِ الصوفيَّةِ المذمُوماتِ، وقد كان قُدَماؤهُم على هذا:

• أخبرنا أبو منصورٍ القزاز، قال: أخبرَنا أحمدُ بن عِليِّ بن ثابتٍ، قال: أنشَدَني أحمدُ بن حُسينٍ الواعظ، قال: انشدنا أبو الفَرَجِ الوَرْثانيُّ، قال: أنشدنا محمدُ بن عبدِ العزيز الصُّوفيّ، قال: أنشَدَني أبو عليٍّ الرَّوذباري:


(١) في (أ) و (ت): تعبر.
(٢) نقل كلام ابن عقيل القرطبي في تفسيره ٧/ ٣٣٣ نقلًا عن المؤلف.

<<  <   >  >>