للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

العواقِب، وليسَ الإلهامُ مِن العِلمِ في شَيءٍ، إنما هو ثَمرةُ العِلم والتَّقوى، فيوفَّقُ صاحِبُهُما للخَيرِ ويُلهَمُ الرُّشدَ.

فأمَّا أن نتركَ العِلم ويُعتَمَدُ على الإلهامِ والخواطِر، فلَيسَ هذا بِشيءٍ! إذ لَولا العِلمُ النقلي ما عَرفنا ما يقَعُ في النَّفسِ من إلهام الخيرِ ووسوسةِ الشَّيطان.

واعلم أنَّ العِلمَ الإلهامِيَّ الملقَى في القُلوبِ لا يكفِي عن العِلم المنقولِ، كما أنَّ العلومَ العقليَّة لا تكفِي عنِ العلومِ الشَّرعيَّة، فإنَّ العقلية كالأغذية، والنقليَّة كالأدوِية، ولا ينوبُ هذا عَن هذا.

وأمَّا قولُه: "أخَذُوا عِلمَهُم ميِّتًا عن ميِّتٍ"، أصلَحُ ما يُنسَبُ إليه هذا القائل أنه ما يَدرِي ما فِي ضِمنِ هذا القولِ، وإلَّا فهذا طعنٌ على الشَّرِيعة!

أنبأنا ابنُ الحصَين، قال: أنبأنا ابنُ المذهب، قال: أنا أبو حفصِ بنُ شاهِين، قال: مِن الصوفيَّةِ مَن رأَى الاشتِغالَ بالعِلمِ بطالةً، وقالوا: نحنُ علومُنا بلا واسِطَة. قال: ومَا كَان المتقدِّمونَ في التصوُّفِ إلا رُؤوسًا في القرآن والفِقه، ولكن هؤلاءِ أحبُّوا البَطَالة (١)!

وقال أَبُو حامدٍ الطُّوسِيُّ: اِعلم أنَّ ميلَ أهلِ التصوُّفِ إلى العُلُومِ الإلهَامِيَّةِ دُونَ التَّعلِيمِيَّة؛ ولذلكَ لم يُحرِّضُوا على دِراسَةِ العِلمِ وتحصيلِ ما صنَّفَهُ المصنِّفُون، بل قالوا: الطريقُ تقديمُ المجاهداتِ بِمحوِ الصِّفات المذمومةِ، وقطعِ العلائِقِ كلِّها، والإقبالُ على اللهِ تعالى بِكنهِ الِهمَّة، وذلك بأن يقطَعَ الإنسانُ همَّهُ عنِ الأهلِ والمالِ والولدِ والعلمِ، ويخلُو بنَفسِهِ في زاوِيةٍ، ويقتصِرُ على الفرائِضِ والرَّواتِبِ، ولا يُفَرِّق


= و ٤٦٥ - ٤٧٨ وللمؤلف كتاب في شرح حال الخضر-كما ذكر في مؤلفاته ص ٢٤١ - أفاد منه من جاء بعده كابن القيم في المنار المنيف وغيره.
(١) تقدم ص ٧٣٩.

<<  <   >  >>