للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وتضيِيعَ الزَّمانِ في التخيُّلاتِ أمور يَنهَى الشَّرع عنها، فلا يُستَفادُ مِن صاحِبِ الشَّرعِ شيءٌ بسببٍ قد نهى عنهُ، كما لا تُستَباحُ الرُّخَصُ في سَفَرٍ قد نهى عنه (١).

ثمَّ لا تنافِي بينَ العِلم والرِّياضةِ، بل العلمُ يُعَلِّمُ كيفيَّةَ الرِّياضة، ويُعينُ على تصحِيحِها، وإنَّما تلاعَبَ الشيطانُ بأقوامٍ، فأبعَدوا العِلمَ وأقبلُوا على الرِّياضَة بما يَنْهَى عنه العلم، والعِلمُ بعيدٌ عنهُم، فتارةً يفعلُونَ الفِعل المنهيَّ عنه، وتارةً يؤثِرونَ ما غيرُهُ أولى، وإنَّما كانَ يُفتِي في هذهِ الحوادِث العلمُ، وقد عزلُوه نعوذ بالله مِن الخذلان!

أنبأنا ابنُ ناصر، عن أبِي عليّ بنِ البنَّاء، قال: كانَ عِندنَا بِسوقِ السِّلاحِ رجلٌ كان يقول: القرآنُ حِجابٌ، والرّسولُ حِجابٌ، وليسَ إلَّا عبدٌ وربٌّ. فافتُتِن جماعةٌ وأهمَلوا العِباداتِ، واختفَى مخافَة القَتل (٢).

أنبأنا محمدُ بن عبد الملك، قال: أنبأنا أحمدُ بنُ عليِّ بنِ ثابتٍ، قال: أخبَرنا أبو الحسَن محمدُ بن عبيد الله بنِ محمد الحنائي، قال: نا أحمدُ بن سلمان النجَّاد، قال: نا محمدُ بن عبدِ الله بنِ سُلَيمان، قال: نا هِشامُ بن يونُس، قال: نا المحارِبِيُّ، عن بكرِ بن خنيسٍ، عن ضِرارِ بن عمرٍو، قال: إنَّ قومًا تركُوا العِلمَ ومجالسةَ أهلِ العِلم، واتَّخذُوا محاريبَ فصامُوا، وصلُّوا حتى بلي جلدُ أحدِهِم على عظمه، وخالفوا السُّنة فهلَكُوا، لا -والذِي لا إلهَ غيرُه- مما عمِلَ عاملٌ قطُّ على جَهْلٍ إلَّا كان ما يُفسِد أكثرَ ممَّا يُصلِح (٣).


(١) الترخص في سفر المعصية مسألة خلافية وما ذكره المؤلف هو قول الجمهور ولبسط البيان في ذلك انظر: مواهب الجليل ٣/ ٣٧٧ والأم ١/ ٣٢٠ والمجموع ٤/ ٣٤٤ والمغني ٢/ ١٠١ والإنصاف ٢/ ٣١٦ والهداية مع فتح القدير ٢/ ٤٦ وبدائع الصنائع ١/ ٤٦٧ والبحر الرائق ٢/ ٢٤٣ والفتاوى ٢٤/ ١٠٨ وأحكام السياحة ص ٥٥ - ٦٥.
(٢) ذكره الذهبي في سير أعلام النبلاء ١٤/ ٣٣٦.
(٣) أخرج ابن عبد البر في الاستذكار ٨/ ٦١٦ عن ضرار بن عمرو عن محمد بن سيرين وأخرج الدارمي في سننه ١/ ١٠٣ قال: كتب عمر بن عبد العزيز إلى أهل المدينة: أنه من تعبد بغير علم كان ما يفسد أكثر مما =

<<  <   >  >>