للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكيفَ يجوزُ ركوبُ البحرِ زمانَ اضطرابِهِ، وذلك زمانٌ قد سَقَطَ فيهِ الخطابُ بأداءِ الحجِّ (١).

وكيفَ يحلُّ السؤالُ لمَن يقْدِرُ أَن يكْتَسِبَ؟!

فما أرخَصَ ما باعَ أَبو حامدٍ الفِقْهَ بالتَّصَوُّف!

• أنبأنا ابن ناصر، قال: أنبأنا أبو الفضل السهلكي، قال: أنا أبو علي عبد الله بن إبراهيم النيسابوري، قال: أنا أبو الحسن علي بن عبد الله بن جهضم، قال: أنا أبو صالح الدَّامَغانيِّ عن الحَسَنِ بنِ عليٍّ الدَّامَغانيِّ، قالَ: كانَ رجلٌ مِن أَهلِ بِسْطام لا ينقطعُ عن مجلسِ أَبي يزيدَ ولا يفارِقُهُ، فقالَ لهُ ذاتَ يومٍ: يا أُستاذُ أَنا منذُ ثلاثينَ سنةً أَصومُ الدهرَ، وأَقومُ الليلَ، وقد تركتُ الشهواتِ، وليس أَجدُ في قلبي مِن هذا الذي تذكُرُهُ شيئًا أَلبَتَّة! فقالَ لهُ أبو يزيدَ: لو صُمْتَ ثلاثَمائة سنةٍ، وقُمْتَ ثلاثَمائة سنةٍ، وأَنْتَ على ما أَراكَ؛ لا تجدُ مِن هذا العلمِ ذَرَّةً.

قال: ولِمَ يا أُستاذُ؟ قالَ: لأنَّكَ محجوبٌ بنفسِكَ. فقالَ لهُ: أَفلهذا دواءٌ حتى ينكشِفَ هذا الحجابُ؟ قالَ: نعم، ولكنَّكَ لا تَقْبَل ولا تعمل. قال: بلى، أقبلُ وأعملُ ما تقولُ. قالَ أبو يزيدَ: اذْهَبِ الساعةَ إلى الحَجَّام احلُق لحيَتَكَ ورأْسَكَ، وانْزَعْ عنكَ هذا اللباسَ، واتّزر بعباءةٍ، وعلِّقْ في عُنُقِكَ مِخلاةً (٢)، واملأها جَوْزًا، واجمَعْ حولَك صِبيانًا، وقُلْ بأَعلى صوتِك: يا صبيانُ، مَن صفَعَني صفعةً أعطيتُهُ


(١) وهذا ما قرره فقهاء الإسلام فإذا كان الغالب على البحر الهلاك لم يجب عليه السعي إلى الحج إجماعًا. انظر في بيان هذه المسألة: الإنصاف للمرداوي ٣/ ٤٠٦ والفروع ٣/ ١٧٣ والمبدع ٣/ ٩٧ وشرح العمدة ٢/ ١٥٩ وكشاف القناع ٢/ ٣٩١ والأم ٢/ ١٢٠ وإعانة الطالبين ٢/ ٢٨٣ والإقناع للشربيني ١/ ٢٥٢ والمجموع ٧/ ٥١ - ٥٣ والمهذب ١/ ١٩٧ وروضة الطالبين ٣/ ٨ وشرح فتح القدير ٢/ ٤١٨.
(٢) المِخْلاةُ: ما يُجعل فيه الخَلَى وهو الرطب من الحشيش. انظر: مختار الصحاح ص ٧٩ واللسان ١٤/ ٢٤٣.

<<  <   >  >>