للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فلبستُها، ثم لبستُ مرقَّعتي فوقها، فخرجتُ فجعلتُ أَمشي قليلًا قليلًا، فلَحِقوني، فنزعوا مرقَّعَتي، فأخذوا الثيابَ، وصَفَعوني، وأوجعوني ضربًا فصِرْتُ بعدَ ذلك أُعْرَفُ بلصِّ الحمَّامِ! فسَكَنَتْ نَفْسي (١).

قالَ أَبو حامدٍ: فهكذا كانوا يُرَوضُّونَ أنفسَهم حتى يُخَلِّصهُم الله مِن النظرِ إِلى النفس (٢)!

قالَ: وأربابُ الأحوالِ ربَّما عالجَوا أَنفُسَهُم بما لا يُفْتي بهِ الفقيهُ؛ مهما رأَوْا صلاحَ قلوبِهم ثم يتدَارَكونَ ما فرَّطَ من صورة التقصيرِ، كما فَعَلَ هذا في الحَمَّامِ (٣).

قالَ المصنِّف : قلتُ: سُبحانَ مَن أَخْرَجَ أَبا حامدٍ مِن دائرةِ الفقهِ بتصنيفهِ كتابَ الإحياءِ! فَلَيْتَهُ لم يَحْكِ فيهِ مثلَ هذا الذي لا يَحِلُّ والعَجيب أنَّه يَحْكيهِ ويستحْسِنُهُ، ويُسمِّى أَصحابَهُ أَربابَ أحوال، وأَيُّ حالٍ أَقبحُ منْ حالِ مَنْ خَالف الشرعَ ورأى المصلحَةَ في المنهي عنُه؟! وكيفَ يجوزُ أَنْ يُطْلَبَ صلاحُ القلوبِ بفعلِ المعاصي؟! أوَقد عُدِمَ في الشريعةِ ما يصلحُ بِه القلبُ حتى يستعملَ ما لا يَحِلُّ فيها؟!

وهذا مِن جنسِ ما يفعلُهُ الجهلَةُ مِن قطعِ مَن لا يجبُ قطْعُهُ، وقتْلِ منْ لا يجوزُ قتْلُهُ، ويُسَمُّونَه سياسةً، ومضمونُ ذلكَ أَنَّ الشريعةَ ما تفي بالسياسةِ!

وكيفَ يحِلُّ للمُسلمِ أَنْ يُعَرِّضَ نفسهُ لأنْ يُقالَ عنهُ: سارِقٌ؟! وهل يجوزُ أَنْ يَقْصِدَ وَهَنَ دينِه، أو مَحْوَ جاهه عندَ شُهداءِ الله في الأرض؟! ولو أَنَّ رجلًا وقفَ مع امرأَتِهِ في طريقٍ يُكَلِّمُها ويلمسُها؛ لِيقَالَ عنهُ: هذا فاسقٌ، كانَ عاصيًا بذلك.


(١) الإحياء ٤/ ٣٥٨ وأشار إليها أيضًا في ٣/ ٢٨٨ وذكرها أبو طالب المكي في قوت القلوب ٢/ ٧٤ وعزاها إلى مجهول.
(٢) الإحياء ٤/ ٣٥٨.
(٣) المصدر السابق ٣/ ٢٨٨. وفيه: مهما رأَوْا إصلاحَ قلوبِهم فيه.

<<  <   >  >>