للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثم كيفَ يجوزُ التصرُّفُ في مالِ الغيرِ بغيرِ إِذْنِهِ؟! ثم في نصِّ مذهبِ أَحمدَ والشافعيِّ: أَنَّ مَن سرقَ مِن الحمَّامِ ثيابًا عليها حافِظٌ، وجَبَ عليه قطعُ يدهِ (١)، ثمَّ مَن أَربابُ الأحوالِ حتى يَعْمَلوا بواقعاتِهم؟!

كَلَّا واللهِ، لنا شريعةٌ لو رامَ أَبو بكرٍ الصِّدِّيقُ أَنْ يَخْرُجَ عنها إِلى العملِ بِرأْيِهِ؛ لم يُقْبَلْ منهُ، فعَجَبي مِن هذا الفقيهِ المُستَلب عن الفقهِ بالتصوُّفِ أَكثرَ مِن تعجبي من هذا المُتسلبِ للثياب!

• أَخبرنَا أَبو بكْر بن حَبيب، قالَ: نا أَبو سَعْد بن أَبي صَادِق، قالَ: نا بن باكويه، قالَ: سَمِعتُ محمد بن أَحمدَ النَّجَّارِ، يقولُ: كانَ عليُّ بنُ بابَويْهِ مِن صوفيةِ الري، فاشترى يوما قطعةً مِن لحمٍ، فأَحبَّ أَن يحْمِلَهُ إِلى البيتِ، فاسْتَحْيا مِن أَهلِ السُّوقِ، فعلَّقَ اللحمَ في عُنُقِهِ، وحَمَلهُ إِلى بيتِه (٢).

قالَ المصنِّف: قلتُ: واعجَبًا مِن قومٍ طالَبوا أَنْفُسَهُم بمحوِ أَثرِ الطبعِ، وذلك أَمرٌ لا يُمكِنُ، ولا هُو مرادُ الشرعِ، وقدْ رُكِّزَ في الطِّباعِ أَنَّ الإِنسانَ لا يُحِبُّ أَنْ يُرى إِلا متجَمِّلًا في ثيابِه، وأَنه يَستَحْي مِن العُرْيِ وكشفِ الرأْسِ، والشرعُ لا يُنكِرُ عليهِ هذا.

وما فعَلَهُ هذا الرجلُ مِن الإِهانةِ لنفسِه بينَ الناسِ أمرٌ قبيحٌ في الشرعِ والعقلِ، فهو إِسقاطُ مروءةٍ لا رياضةٌ، كما لو حَمَلَ نعليهِ على رأْسِهِ، وقد جاء في الحديث: "الأَكلُ في السُّوق دَنَاءةٌ" (٣)، وإِنَّ الله سبحانه قد أَكرمَ الآدَمِيَّ، وجَعَلَ لكثيرٍ مِن


(١) انظر في أقول الفقهاء في هذه المسألة: الإنصاف للمرداوي ١٠/ ٢٧٢ والمبدع ٩/ ١٢٨ - ١٢٩ والمغني ٩/ ١٠٠ والمهذب ٢/ ٢٧٩ وروضة الطالبين ١٠/ ١٤١.
(٢) أخرج نحوها ابن عساكر في تاريخ دمشق ٥٢/ ٤٠٨.
(٣) أخرجه الطبراني في الكبير رقم (٧٩٧٧) وابن عدي في الكامل ٥/ ١٠ عن أبي أمامة وذكره الهيثمي في المجمع ٥/ ٢٥ وقال: وفيه عمر بن موسى ابن وجيه وهو ضعيف. انظر: التقريب ص ١٤٠. وأخرجه عن أبي هريرة ابن عدي في الكامل ٢/ ٨٠ - ٦/ ١٣٨ والذهبي في السير ١٦/ ٥٤٢ وقال =

<<  <   >  >>