للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

علو في منخرق بين جبلين، يقال لهما: الجنادل وينبطح في الأرض حتى يصب في البحر، فاتساعه حيث لا يجد حاجزا يحجزه عن الانبساط. وأما قوله: إن الأسداد إذا كثرت فاض الماء على الأرض دفعة فليس كذلك؟ بل يصير الماء عند كسر كل سدّ من الأسداد في خليج، ثم يفتح ترع من الخليج إلى الخليج إلى ما على جانبه من الأراضي حتى يروى.

فمن تلك الأراضي ما يروى سريعا، ومنها ما يروى بعد أيام، ومنها ما لا يروى لعلوّه.

وأما قوله: إن جميع تلك المشارب تستدّ عند ابتداء صعود النيل ليجتمع ما يسيل من الماء في النيل، ويكثر فيعم جميع أرضهم، ويمنع بجملته دخول الماء الملح عليه، فغير مسلّم أن تكون السداد كما ذكر. بل أراضي مصر أقسام كثيرة منها: عال لا يصل إليه الماء إلا من زيادة كثيرة، ومنها: منخفض يروى من يسير الزيادة والأراضي متفاوتة في الارتفاع والانخفاض تفاوتا كثيرا. ولذلك احتيج في بلاد الصعيد إلى حفر الترع. وفي أسفل الأرض إلى عمل الجسور حتى يحبس الماء ليروي أهل النواحي على قدر حاجتهم إليه عند الاحتياج. وإلا فهو يزيد أولا في غير سقي الأراضي حتى إذا اجتمع من زيادته المقدار الذي هو كفاية الأراضي في وقت خلوّ الأراضي من الغلال. وذلك غالبا في أثناء شهر مسرى فتح سدّ الخليج حتى يجري فيه الماء إلى حدّ معلوم، ووقف حتى يروي ما تحت ذلك الحدّ الذي وقف عنده الماء من الأرض.

ثم فتح ذلك الحدّ في يوم النيروز «١» حتى يجري إلى حدّ آخر، ويقف عنده حتى يروي ما تحت هذا الحدّ الثاني من الأراضي، ثم يفتح هذا الحدّ في يوم عيد «٢» الصليب بعد النوروز بسبعة عشر يوما حتى يجري الماء، ويقف على حدّ ثالث حتى يروي ما تحت هذا الحدّ من الأراضي، ثم يفتح هذا الحدّ فيجري الماء، ويروي ما هنالك من الأراضي، ويصب في البحر الملح.

هذا هو الحال في سدود أراضي مصر وقوله: إن ماء البحر يصعد أكثر من عشرين ميلا في حلق رشيد وتنيس ودمياط فلو كان خاليا من الماء العذب لوصل البحر من أسوان إلى منتهى بلوغ الردع فنقول: هذا قول من لم يعرف أرض مصر، فإن النيل عند مصبه بأعالي أسوان يكون أعلى منه عند كونه أسفل الأرض بقامات عديدة. فإذا فاض ماء البحر حبسه أن يتدافع هو وماء النيل، وربما غلب ماء البحر ماء النيل في أيام نقصان النيل حتى يملح ماء النيل فيما بين دمياط وفارس كور.

وأما في أيام زيادة النيل، فإني شاهدت مصب النيل في البحر من دمياط وكل منهما يدافع الآخر فلا يطيقه حتى صارا متمانعين عبرة لمن اعتبر. وقوله: إن الأسداد إذا فتحت

<<  <  ج: ص:  >  >>