علم أهل أسوان بذلك في الحال غير مسلم، بل لم نزل نشاهد النيل في الأعوام الكثيرة إذا فتح منه خليج أو انقطع مقطع فأغرق ماؤه أراضي كثيرة لا يظهر النقص فيه إلا فيما قرب من ذلك الموضع، وما برح المفرد يخرج من قوص ببشارة وفاء النيل. وقد أوفى عندهم ستة عشر ذراعا، فلا يوفي ذلك المقياس بمصر إلا بعد ثلاثة أيام ونحوها. وأما قوله: إن ما كان من النيل يمرّ ببلاد الحبشة يخالفه فليس كذلك، بل الزيادة في النيل أيام زيادته تكون ببلاد النوبة، وما وراءها في الجنوب كما تكون في أرض مصر، ولا فرق بينهما إلا في شيئين:
أحدهما: أنه في أرض مصر يجري في حدود وهناك يتبدّد على الأراضي، والثاني: أن زيادته تعتبر بالقياس في أرض مصر، وهناك لا يمكن قياسه لتبدّده ومن عرف أخبار مصر علم أن زيادة ماء النيل تكون عن أمطار الجنوب.
ويقال: إن النيل ينصب من عشرة أنهار من جبل القمر المتقدّم ذكره. كل خمسة أنهار من شعبة، ثم تتبحر تلك الأنهار العشرة في بحرين، كل خمسة أنهار تتبحر بحيرة بذاتها، ثم يخرج من البحيرة الشرقية بحر لطيف يأخذ شرقا على جبل قاقولي، ويمتدّ إلى مدن هناك، ثم يصب في البحر الهندي.
ويخرج من البحيرتين ستة أنهار من كل بحيرة ثلاثة أنهار، وتجتمع الأنهار الستة في بحيرة متسعة تسمى البطيحة، وفيها جبل يفرّق الماء نصفين يخرج أحدهما من غرب البطيحة، وهو نيل السودان، ويصير نهرا يسمى بحر الدمادم، ويأخذ مغربا ما بين سمغرة وغانة على جنوبيّ سمغرة وشماليّ غانة، ثم ينعطف هناك. منه فرقة ترجع جنوبا إلى غانة، ثم تمرّ على مدينة برنسة، وتأخذ تحت جبل في جنوبها خارج خط الاستواء إلى زفيلة، ثم تتبحر في بحيرة هناك وتستمرّ الفرقة الثانية مغرّبة إلى بلاد مالي والتكرور، حتى تنصب في البحر المحيط شماليّ مدينة قلبتو، ويخرج النصف الآخر متشاملا آخذا على الشمال إلى شرقيّ مدينة حيما، ثم يتشعب منه هناك شعبة تأخذ شرقا إلى مدينة سحرت. ثم ترجع جنوبا ثم تعطف شرقا بجنوب إلى مدينة سحرتة، ثم إلى مدينة مركة.
وينتهي إلى خط الاستواء حيث الطول خمس وستون درجة، ويتبحر هناك بحيرة ويسمى:
عمود النيل من قبالة تلك الشعبة شرقيّ مدينة شيمي متشاملا آخذا على أطراف بلاد الحبشة، ثم يتشامل على بلاد السودان إلى مدينة دنفلة حتى يرمي على الجنادل إلى أسوان، وينحدر وهو يشق بلاد الصعيد إلى مدينة فسطاط مصر، ويمرّ حتى يصب في البحر الشاميّ، وقد استفيض ببلاد السودان أن النيل ينحدر من جبال سود يبين على بعد كأن عليها الغمام ثم يتفرّق نهرين يصب أحدهما في البحر المحيط إلى جهة بحر الظلمة الجنوبيّ، والآخر يتصل إلى مصر حتى يصب في البحر الشاميّ. ويقال: إنه في الجنوب يتفرّق سبعة أنهار تدخل في صحراء منقطعة، ثم تجتمع الأنهار السبعة، وتخرج من تلك الصحراء نهرا واحدا في بلاد السودان.