للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قبض عليه وضرب بالمقارع، وخنق ليلة الأحد سادس شهر ربيع الأوّل سنة خمس وأربعين وسبعمائة، ودفن بجوار زاوية ابن عبود من القرافة، وكانت مدّة نظره في الخاص خمس سنين وشهرين تنقص أياما، وكان مليح الوجه حسن العبارة كثير التصرّف ذكيا، يعرف باللسان التركيّ ويتكلم به، ويعرف باللسان النوبيّ والتكروري.

ولم تزل هذه الدار بغير تكملة إلى أن ترأس القاضي شمس الدين محمد بن أحمد القليجيّ الحنفي، كان أولا يكتب على مبيضة الغزل، وهي يومئذ مضمنة لديوان السلطان، ثم اتصل بقاضي القضاة سراج الدين عمر بن إسحاق الهندي وخدمه فرفع من شأنه واستنابه في الحكم، فعيب ذلك على الهندي، وقال فيه شمس الدين محمد بن محمد الصائغ الحنفي:

ولمّا رأينا كاتب المكس قاضيا ... علمنا بأنّ الدهر عاد إلى ورا

فقلت لصحبي ليس هذا تعجبا ... وهل يجلب الهنديّ شيئا سوى الخرا

وولي افتاء دار العلم، وناب عن القضاة في الحكم بعد مباشرة توقيع الحكم عدّة سنين، فعظم ذكره، وبعد صيته، وصار يتوسط بين القضاة والأمراء في حوائجهم، ويخدم أهل الدولة فيما يعنّ لهم من الأمور الشرعية، فصار كثير من أمور القضاة لا يقوم به غيره، حتى لقد كان شيخنا الأستاذ قاضي القضاة ولي الدين عبد الرحمن بن خلدون يسميه دريد بن الصمة، يعني أنه صاحب رأي القضاة، كما أن دريد ابن الصمة كان صاحب رأي هوازن يوم حنين سرّه بذلك، فلما فخم أمره أخذ هذه الدار، وقد تم بناء جدرانها، فرخّمها وبيضها، فجاءت في أعظم قالب وأحسن هندام وأبهج زيّ، وسكنها إلى أن مات يوم الثلاثاء لعشرين من شهر رجب سنة سبع وتسعين وسبعمائة، بعدما وقفها، فاستمرّت في يد أولاده مدّة إلى أن أخذها الأمير جمال الدين يوسف الأستادار، كما أخذ غيرها من الدور.

دار بهادر المعزي: هذه الدار بدرب راشد المجاور لخزانة البنود من القاهرة، عمرها الأمير سيف الدين بهادر المعزي، كان أصله من أولاد مدينة حلب، من أبناء التركمان، واشتراه الملك المنصور لاجين قبل أن يلي سلطنة مصر، وهو في نيابة السلطنة بدمشق، فترقى حتى صار أحد أمراء الألوف إلى أن مات في يوم الجمعة تاسع شعبان سنة تسع وثلاثين وسبعمائة، عن ابنتين إحداهما تحت الأمير أسدمر المعزي، والأخرى تحت مملوكه اقتمر، وترك مالا كثيرا منه، ثلاث عشر ألف دينار، وستمائة ألف درهم نقرة، وأربعمائة فرس، وثلثمائة جمل، ومبلغ خمسين ألف اردب غلة، وثمان حوايص ذهب، وثلاث كلوتات زركش، واثني عشر طراز زركش، وعقارا كثيرا، فأخذ السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون جميع ما خلفه، وكان جميل الصورة، معروفا بالفروسية، ورمى في القبق النشاب بيمينه ويساره، ولعب الرمح لعبا جيدا، وكان لين الجانب حلو الكلام جميل

<<  <  ج: ص:  >  >>