العشرة، إلّا أنه كان مقتّرا على نفسه في مأكله وسائر أحواله لكثرة شحه، بحيث أنه اعتقل مرّة فجمع من راتبه الذي كان يجرى عليه وهو في السجن مبلغ اثني عشر ألف درهم نقرة، أخرجها معه من الاعتقال.
دار طينال: هذه الدار بخط الخرّاطين في داخل الدرب الذي كان يعرف بخربة صالح، كان موضعها وما حولها في الدولة الفاطمية مارستانا، وأنشأ هذه الدار الأمير طينال، أحد مماليك الناصر محمد بن قلاوون، أقامه ساقيا، ثم عمله حاجبا صغيرا، ثم أعطاه أمرة دكتمر، وجعله أمير مائة مقدّم ألف، فباشر ذلك مدّة ثم أخرجه لنيابة طرابلس. فأقام بها زمانا، ثم نقله إلى نيابة صفد فمات بها في ثالث شهر ربيع سنة ثلاث وأربعين وسبعمائة، وكان تتريّ الجنس قصيرا إلى الغاية، مليح الوجه، مشكورا في أحكامه، محبا لجمع المال، شحيحا، وهذه الدار تشتمل على قائمتين متجاورتين، وهي من الدور الجليلة، ولطينال أيضا قيسارية بسويقة أمير الجيوش.
دار الهرماس: هذه الدار كانت بجوار الجامع الحاكمي من قبلية شارعة في رحبة الجامع، على يسرة من يمرّ إلى باب النصر، عمرها الشيخ قطب الدين محمد بن المقدسي المعروف بالهرماس، وسكنها مدّة، وكان أثيرا عند السلطان الملك الناصر الحسن بن محمد بن قلاوون، له فيه اعتقاد كبير، فعظم عند الناس قدره، واشتهر فيما بينهم ذكره إلى أن دبت بينه وبين الشيخ شمس الدين محمد بن النقاش عقارب الحسد، فسعى به عند السلطان إلى أن تغير عليه وأبعده، ثم ركب في يوم سنة إحدى وستين وسبعمائة من قلعة الجبل بعساكره إلى باب زويلة، فعند ما وصل إليه ترجل الأمراء كلهم عن خيولهم ودخلوا مشاة من باب زويلة كما هي العادة، وصار السلطان راكبا بمفرده، وابن النقاش أيضا راكب بجانبه، وسائر الأمراء والمماليك مشاة في ركابه على ترتيبهم إلى أن وصل السلطان إلى المارستان المنصوري بين القصرين، فنزل إليه ودخل القبة وزار قبر أبيه وجدّه وإخوته، وجلس، وقد حضر هناك مشايخ العلم والقضاة، فتذاكروا بين يديه مسائل علمية، ثم قام إلى النظر في أمور المرضى بالمارستان، فدار عليهم حتى انتهى غرضه من ذلك، وخرج فركب وسار نحو باب النصر والناس مشاة في ركابه إلّا ابن النقاش فإنه راكب بجانبه إلى أن وصل إلى رحبة الجامع الحاكمي، فوقف تجاه دار الهرماس وأمر بهدمها، فهدمت وهو واقف، وقبض على الهرماس وابنه وضرب بالمقارع عدّة شيوب، ونفي من القاهرة إلى مصياف «١» . فقال الإمام العلامة شمس الدين محمد بن عبد الرحمن بن الصائغ الحنفي في ذلك: