قيسارية جهاركس: قال ابن عبد الظاهر: بناها الأمير فخر الدين جهاركس في سنة اثنتين وتسعين وخمسمائة، وكانت قبل ذلك يعرف مكانها بفندق الفراخ، ولم تزل في يد ورثته، وانتقل إلى الأمير علم الدين أيتمش منها جزء بالميراث عن زوجته، وإلى بنت شومان من أهل دمشق، ثم اشتريت لوالدة خليل المسماة بشجر الدرّ الصالحية، في سنة خمس وخمسين وستمائة، وهي مع حسنها واتقان بنائها كلها، تجرّد من الغضب جميع ما فيها، وذكر بعض المؤرخين أن صاحبها جهاركس نادى عليها حين فرغت، فبلغت خمسة وتسعين ألف دينار على الشريف فخر الدين إسماعيل بن ثعلب، وقال لصاحبها: أنا انقدك ثمنها، أي نقد شئت، إن شئت ذهبا وإن شئت فضة، وإن شئت عروض تجارة، وقيسارية جهاركس تجرى الآن في وقف الأمير بكتمر الجوكندار نائب السلطنة بعد سلار على ورثته.
وقال القاضي شمس الدين أحمد بن محمد بن خلكان:
جهاركس: بن عبد الله فخر الدين أبو المنصور الناصريّ الصلاحيّ، كان من أكبر أمراء الدولة الصلاحية، وكان كريما نبيل القدر عليّ الهمة، بنى بالقاهرة القيسارية الكبرى المنسوبة إليه، رأيت جماعة من التجار الذين طافوا البلاد يقولون: لم نر في شيء من البلاد مثلها في حسنها وعظمها وأحكام بنائها، وبنى بأعلاها مسجدا كبيرا وربعا معلقا، وتوفي في بعض شهور سنة ثمان وستمائة بدمشق، ودفن في جبل الصالحية وتربته مشهورة هناك، رحمه الله، وجهاركس بفتح الجيم والهاء وبعد الألف راء ثم كاف مفتوحة ثم سين مهملة.
ومعناه بالعربيّ أربعة أنفس، وهو لفظ عجميّ.
وقال الحافظ جمال الدين يوسف بن أحمد بن محمود اليغوريّ: سمعت الأمير الكبير الفاضل شرف الدين أبا الفتح عيسى بن الأمير بدر الدين محمد بن أبي القاسم بن محمد بن أحمد الهكاريّ البحتريّ الطائيّ المقدسيّ بالقاهرة، ومولده سنة ثلاث وتسعين وخمسمائة بالبيت المقدّس شرّفه الله تعالى، وتوفي بدمشق في ليلة الأحد تاسع عشري ربيع الآخر سنة تسع وستمائة، ودفن بسفح جبل قاسيون، رحمه الله. قال: حدّثني الأمير صارم الدين خطلبا التبنينيّ صاحب الأمير فخر الدين أبي المنصور جهاركس بن عبد الله الناصريّ الصلاحيّ رحمه الله. قال: بلغ الأمير فخر الدين، أن بعض الأجناد عنده فرس قد دفع له فيه ألف دينار ولم يسمح ببيعه، وهو في غاية الحسن، فقال لي الأمير باخطلبا: إذا ركبنا ورأيت في الموكب هذا الفرس نبهني عليه حتى أبصره. فقلت: السمع والطاعة.
فلما ركبنا في الموكب مع الملك العزيز عثمان بن الملك الناصر رحمه الله، رأيت الجنديّ على فرسه، فتقدّمت إلى الأمير فخر الدين وقلت له: هذا الجنديّ، وهذا الفرس راكبه، فنظر إليه وقال: إذا خرجنا من سماط السلطان فانظر أين الفرس وعرّفني به. فلما دخلنا إلى سماط الملك العزيز، عجّل الأمير فخر الدين وخرج قبل الناس، فلما بلغ إلى