للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الفويّ، والخيوط التي تشدّ بها القراطيس الموضوع فيها حوائج الطعام من الحبوب والأفاوية وغيرها، فإن هذه الأصناف المذكورة إذا حملت من الأسواق وأخذ ما فيها ألقيت إلى المزابل، ومن أدرك الناس قبل هذه المحن وأمعن النظر فيما كانوا عليه من أنواع الحضارة والترف لم يستكثر ما ذكرناه.

وقد اختلّ حال القصبة وخرب وتعطل أكثر ما تشتمل عليه من الحوانيت بعد ما كانت مع سعتها تضيق بالباعة، فيجلسون على الأرض في طول القصبة بأطباق الخبز وأصناف المعايش. ويقال لهم أصحاب المقاعد، وكل قليل يتعرّض الحكام لمنعهم وإقامتهم من الأسواق لما يحصل بهم من تضييق الشوارع وقلة بيع أرباب الحوانيت، وقد ذهب والله ما هناك ولم يبق إلا القليل، وفي القصبة عدّة أسواق، منها ما خرب، ومنها ما هو باق، وسأذكر منها ما يتيسر إن شاء الله تعالى.

سوق باب الفتوح: هذا السوق في داخل باب الفتوح، من حدّ باب الفتوح الآن إلى رأس حارة بهاء الدين. معمور الجانبين بحوانيت اللحامين والخضريين والفاميين والشرايحية وغيرهم، وهو من أجلّ أسواق القاهرة وأعمرها، يقصده الناس من أقطار البلاد لشراء أنواع اللحمان الضأن والبقر والمعز، ولشراء أصناف الخضراوات، وليس هو من الأسواق القديمة، وإنما حدث بعد زوال الدولة الفاطمية عند ما سكن قراقوش في موضعه المعروف بحارة بهاء الدين، وقد تناقص عما كان فيه منذ عهد الحوادث، وفيه إلى الآن بقية صالحة.

سوق المرحلين: هذا السوق أدركته من رأس حارة بهاء الدين إلى بحري المدرسة الصيرمية معمور الجانبين بالحوانيت المملوءة بر حالات الجمال وأقتابها، وسائر ما تحتاج إليه، يقصد من سائر إقليم مصر، خصوصا في مواسم الحج. فلو أراد الإنسان تجهيز مائة جمل وأكثر في يوم لما شق عليه وجود ما يطلبه من ذلك لكثرة ذلك عند التجار في الحوانيت بهذا السوق وفي المخازن.

فلما كانت الحوادث بعد سنة ست وثمانمائة وكثر سفر الملك الناصر فرج بن برقوق إلى محاربة الأمير شيخ والأمير نوروز بالبلاد الشامية، صار الوزراء يستدعون ما يحتاج إليه الجمال من الرحال والأقتاب وغيرها، فإما لا يدفع ثمنها أو يدفع فيها الشيء اليسير من الثمن، فاختلّ من ذلك حال المرحلين وقلت أموالهم بعد ما كانوا مشتهرين بالغناء الوافر والسعادة الطائلة، وخرب معظم حوانيت هذا السوق، وتعطل أكثر ما بقي منها، ولم يتأخر فيه سوى القليل.

سوق خان الروّاسين: هذا السوق على رأس سويقة أمير الجيوش، قيل له ذلك من أجل أن هناك خانا تعمل فيه الرءوس المغمومة، وكان من أحسن أسواق القاهرة فيه عدّة من البياعين، ويشتمل على نحو العشرين حانوتا مملوءة بأصناف المآكل، وقد اختلّ وتلاشى أمره.

<<  <  ج: ص:  >  >>