للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لجم الخيل، وتعمل تارة من الفضة المجراة بالمينا، وتارة بالفضة المطلية بالذهب، فيبلغ زنة ما في البدلة من خمسمائة درهم فضة إلى ما دونها، وقد بطل ذلك. وكان يباع به أيضا سلاسل الفضة ومخاطم الفضة المطلية، تجعل تحت لجم الحجور من الخيل خاصة، فيركب بها أعيان الموقعين وأكابر الكتاب من القبط ورؤساء التجار، وقد بطل ذلك أيضا.

ويباع فيه أيضا الدوي والطرف التي فيها الفضة والذهب كسكاكين الأقلام ونحوها، وكانت تجار هذا السوق تعدّ من بياض العامّة، ويتصل بسوق المهامزيين هذا.

سوق اللجميين: ويباع فيه آلات اللجم ونحوها مما يتخذ من الجلد، وفي هذا السوق أيضا عدّة وافرة من الطلائين وصناع الكفت برسم اللجم والركب والمهاميز ونحو ذلك.

وعدّة من صناع مياتر السروج وقرابسها، وأدركت السروج تعمل ملوّنة ما بين أصفر وأزرق، ومنها ما يعمل من الدبل، ومنها ما يعمل سيورا من الجلد البلغاري الأسود، ويركب بهذه السروج السود القضاة ومشايخ العلم اقتداء بعادة بني العباس في استعمال السواد، على ما جدّده بديار مصر السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب بعد زوال الدولة الفاطمية.

وأدركت السروج التي تركب بها الأجناد والكتاب، يعمل للسرج في قربوسه ستة أطواق من فضة مقبلة مطلية بالذهب، ومعقربات من فضة، ولا يكاد أحد يركب فرسا بسرج سادج إلا أن يكون من القضاة ومشايخ العلم وأهل الورع، فلما تسلطن الملك الظاهر برقوق اتخذ سائر الأجناد السروج المغرقة، وهي التي جميع قرابسها من ذهب أو فضة، إما مطلية أو سادجة، وكثر عمل ذلك حتى لم يبق من العسكر فارس إلا وسرجه كما ذكرنا. وبطل السرج المسقط، فلما كانت الحوادث بعد سنة ست وثمانمائة غلب على الناس الفقر، وكثرت الفتن، فقلّت سروج الذهب والفضة، وبقي منها إلى اليوم بقايا يركب بها أعيان الأمراء وأماثل المماليك.

سوق الجوخيين: هذا السوق يلي سوق اللجميين، وهو معدّ لبيع الجوخ المجلوب من بلاد الفرنج لعمل المقاعد والستائر وثياب السروج وغواشيها، وأدركت الناس وقلما تجد فيهم من يلبس الجوخ، وإنما يكون من جملة ثياب الأكابر، جوخ لا يلبس إلا في يوم المطر، وإنما يلبس الجوخ من يرد من بلاد المغرب والفرنج وأهل الإسكندرية وبعض عوام مصر، فأما الرؤساء والأكابر والأعيان فلا يكاد يوجد فيهم من يلبسه إلّا في وقت المطر، فإذا ارتفع المطر نزع الجوخ.

وأخبرني القاضي الرئيس تاج الدين أبو الفداء إسماعيل بن أحمد بن عبد الوهاب بن الخطبا المخزومي، خال أبي رحمه الله، قال: كنت أنوب في حسبة القاهرة عن القاضي ضياء الدين المحتسب، فدخلت عليه يوما وأنا لابس جوخة لها وجه صوف مربع فقال لي:

وكيف ترضى أن تلبس الجوخ، وهل الجوخ إلّا لأجل البغلة؟! ثم أقسم عليّ أن أخلعها،

<<  <  ج: ص:  >  >>