الجامع المذكور ومنية عقبة التي ببرّ الجيزة بحر النيل، ولم يزل الأمر على ذلك إلى ما بعد سنة سبعمائة. إلّا أنه كان قد انحسر ماء النيل بعد الخمسمائة من سني الهجرة عن أرض بالقرب من الزهريّ، وانحسر أيضا عن أرض تجاه البعل الذي في بحري القاهرة، عرفت هذه الأرض بجزيرة الفيل، وما برح ماء النيل ينحسر عن شيء بعد شيء إلى ما بعد سنة سبعمائة، فبقيت عدّة رمال فيما بين منشأة المهرانيّ وبين جزيرة الفيل، وفيما بين المقس وساحل النيل، عمر الناس فيها الأملاك والمناظر والبساتين من بعد سنة اثنتي عشرة وسبعمائة، وحفر الملك الناصر محمد بن قلاوون فيها الخليج المعروف اليوم بالخليج الناصريّ، فصار برّ الخليج الغربيّ بعد ذلك أضعاف ما كان أوّلا من أجل انطراد ماء النيل عن برّ مصر الشرقيّ، وعرف هذا البرّ اليوم بعدّة مواضع، وهي في الجملة خط منشأة المهرانيّ، وخط المريس، وخط منشأة الكتبة، وخط قناطر السباع، وخط ميدان السلطان، وخط البركة الناصرية، وخط الحكورة، وخط الجامع الطبرسي، وربع بكتمر، وزريبة السلطان، وخط باب اللوق، وقنطرة الخرق، وخط بستان العدّة، وخط زريبة قوصون، وخط حكر ابن الأثير، وفم الخور، وخط الخليج الناصري، وخط بولاق، وخط جزيرة الفيل، وخط الدكة، وخط المقس، وخط بركة قرموط، وخط أرض الطبالة، وخط الجرف، وأرض البعل، وكوم الريش، وميدان القمح، وخط باب القنطرة، وخط باب الشعرية، وخط باب البحر، وغير ذلك. وسيأتي من ذكر هذه المواضع ما يكفي ويشفي إن شاء الله تعالى.
وكانت جهة القاهرة القبلية من ظاهرها ليس فيها سوى بركة الفيل وبركة قارون، وهي فضاء يرى من خرج من باب زويلة عن يمينه الخليج وموردة السقائين، وكانت تجاه باب الفتوح، ويرى عن يساره الجبل، ويرى تجاهه قطائع ابن طولون التي تتصل بالعسكر، ويرى جامع ابن طولون وساحل الحمراء الذي يشرف عليه جنان الزهريّ، ويرى بركة الفيل التي كان يشرف عليها الشرف الذي فوقه قبة الهواء، ويعرف اليوم هذا الشرف بقلعة الجبل، وكان من خرج من مصلى العيد بظاهر مصر يرى بركتي الفيل وقارون والنيل.
فلما كانت أيام الخليفة الحاكم بأمر الله أبي علي منصور بن العزيز بالله أبي منصور نزار بن الإمام المعز لدين الله أبي تميم معدّ، عمل خارج باب زويلة بابا عرف بالباب الجديد، واختط خارج باب زويلة عدّة من أصحاب السلطان، فاختطت المصامدة حارة المصامدة، واختطت اليانسية والمنجبية وغيرهما كما ذكر في موضعه من هذا الكتاب، فلما كانت الشدّة العظمى في خلافة المستنصر بالله، اختلت أحوال مصر وخربت خرابا شنيعا، ثم عمر خارج باب زويلة في أيام الخليفة الآمر بأحكام الله، ووزارة المأمون محمد بن فاتك بن البطائحيّ بعد سنة خمسمائة، فلما زالت الدولة الفاطمية، هدم السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب حارة المنصورة التي كانت سكن العبيد خارج باب زويلة، وعملها بستانا،