الستة عشر ذراعا أو نقص عنها نقص من خراج السلطان، وقد تغير في زماننا هذا عامة ما تقدّم ذكره لفساد حال الجسور والترع والخلجان وقانون اليوم: أنه يزيد في القيظ إذا حلت الشمس برج السرطان والأسد والسنبلة حين تنقص عامة الأنهار التي في المعمور، ولذلك قيل: إن الأنهار تمدّه بمائها عند غيضها، فتكون زيادته وتبتدىء الزيادة من خامس بؤنة «١» ، وتظهر في ثاني عشره، وأول دفعه في الثاني من أبيب «٢» وتنتهي زيادته في ثامن بابه «٣» ، ويؤخذ في النقصان من العشرين منه. فتكون مدّة زيادته من ابتدائها إلى أن ينقص ثلاثة أشهر وخمسة وعشرين يوما. وهي: أبيب ومسرى «٤» وتوت «٥» وعشرون يوما من بابه، ومدّة مكثه بعد انتهاء زيادته اثنا عشر يوما ثم يأخذ في النقصان.
ومن العادة أن ينادى عليه دائما في اليوم السابع والعشرين من بؤنة بعد ما يؤخذ قاعه، وهو ما بقي من الماء القديم في ثالث عشر بؤنة، وبفتح الخليج الكبير إذا أكمل الماء ستة عشر ذراعا وأدركت الناس يقولون: نعوذ بالله من أصبع من عشرين وكنا نعهد الماء إذا بلغ أصابع من عشرين ذراعا فاض ماء النيل، وغرّق الضياع والبساتين وفارت البلاليع، وها نحن في زمن منذ كانت الحوادث بعد سنة ست وثمانمائة إذا بلغ الماء في سنة أصبعا من عشرين لا يعم الأرض كلها لما قد فسد من الجسور، وكان إلى ما بعد الخمسمائة من الهجرة قانون النيل ستة عشر ذراعا في مقياس الجزيرة، وهي في الحقيقة ثمانية عشر ذراعا؛ وكانوا يقولون: إذا زاد على ذلك ذراعا واحدة؛ زاد خراج مصر مائة ألف دينار لما يروي من الأراضي العالية؛ فإن بلغ ثمانية عشر ذراعا كانت الغاية القصوى، فإن الثمانية عشر ذراعا في مقياس الجزيرة اثنان وعشرون ذراعا في الصعيد الأعلى؛ فإن زاد على الثمانية عشر ذراعا واحدا نقص من الخراج مائة ألف دينار لما يستبحر من الأرض المنخفضة.
قال ابن ميسر في حوادث سنة ثلاث وأربعين وخمسمائة، وفيها بلغت زيادة ماء النيل تسعة عشر ذراعا وأربعة أصابع، وبلغ الماء الباب الجديد أوّل الشارع خارج القاهرة، وكان الناس يتوجهون إلى القاهرة من مصر من ناحية المقابر، فلما بلغ الخليفة الحافظ لدين الله أبا الميمون عبد المجيد بن محمد أن الماء وصل إلى الباب الجديد أظهر الحزن، والانقطاع فدخل إليه بعض خواصه، وسأله عن السبب، فأخرج له كتابا فإذا فيه: إذا وصل الماء بالباب الجديد انتقل الإمام عبد المجيد، ثم قال: هذا الكتاب الذي تعلم منه أحوالنا وأحوال دولتنا،