وما يأتي بعدها فمرض الحافظ في آخر هذه السنة، ومات في أوّل سنة أربع وأربعين وخمسمائة.
وقال القاضي الفاضل: في متجدّدات سنة ست وسبعين وخمسمائة وفي يوم الاثنين السادس والعشرين من شهر ربيع الأوّل، وهو السادس عشر من مسرى. وفي النيل على ستة عشر ذراعا، وهو الوفاء ولا يعرف وفاؤه بهذا التاريخ في زمن متقدّم، وهذا أيضا مما تغير فيه قانون النيل في زماننا فإنه صار يوفي في أوائل مسرى ولقد كان الوفاء في سنة اثنتي عشرة، وثمانمائة في اليوم التاسع والعشرين من أبيب قبل مسرى بيوم، وهذا من أعجب ما يؤرخ في زيادات النيل، واتفق أن في الحادي عشر من جمادى الأولى سنة تسع وسبعمائة، وفي النيل وكان ذلك اليوم التاسع عشر من بابه بعد النوروز بتسعة وأربعين يوما.
قال: وفي تاسع عشرة يعني شوّال سنة اثنتين وتسعين وخمسمائة. كسر بحر أبي المنجى وباشر الملك العزيز عثمان كسره وزاد النيل فيه أصبعا وهي الأصبع الثامنة عشرة من ثمان عشرة ذراعا، وهذا الحدّ يسمى عند أهل مصر اللجة الكبرى. فانظر كيف يسمي القاضي الفاضل هذا القدر اللجة الكبرى؟! وإنه والعياذ بالله لو بلغ ماء النيل في سنة هذا القدر فقط لحل بالبلاد غلاء يخاف منه أن يهلك فيه الناس، وما ذاك إلا لما أهمل من عمل الجسور؛ ويحصل لأهل مصر بوفاء النيل ست عشرة ذراعا فرح عظيم، فإن ذلك كان قانون الري في القديم واستمرّ ذلك إلى يومنا هذا. ويتخذ ذلك اليوم عيدا يركب فيه السلطان بعساكره، وينزل في المراكب لتخليق المقياس.
وقد ذكرنا ما كان في الدولة الفاطمية من الاهتمام بفتح الخليج عند ذكر مناظر اللؤلؤة. وقال بعض المفسرين رحمهم الله تعالى: إن يوم الوفا هو اليوم الذي وعد فرعون موسى عليه السلام بالاجتماع في قوله تعالى: قالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى
[طه/ ٥٩] .
وقد جرت العادة أن اجتماع الناس للتخليق يكون في هذا الوقت.
ومن أحسن السياسات في أمر النداء على النيل ما حكاه الفقيه ابن زولاق «١» في سيرة المعز «٢» لدين الله قال: وفي هذا الشهر، يعني شوّال، سنة اثنتين وستين وثلثمائة منع المعز لدين الله من النداء بزيادة النيل، وأن لا يكتب بذلك إلا إليه، وإلى القائد جوهر، فلما تم