الحارات والأخطاط، ولم يزل بهم حتى دلوه على سائر من عصر الخمر، فاشتهر ذلك بين الناس وخافوه، فحوّل أهل حارة زويلة وأهل حارتي الروم والديلم وغير ذلك من الأماكن ما عندهم من الخمر وصبوها في البلاليع والأقنية، وألقوها في الأزقة، وبذلوا المال لمن يأخذها منهم، فحصل لكثير من العامّة والأطراف منها شيء كثير، حتى صارت تباع كل جرّة خمر بدرهم، ويمرّ الناس بأبواب الدور والأزقة فترى من جرار الخمر شيئا كثيرا، ولا يقدر أحد أن يتعرّض لشيء منها، ثم ركب وكبس خط باب اللوق وأخذ منه شيئا كثيرا من الحشيش، وأحرقه عند باب زويلة، واستمرّ الحال مدّة شهر، ما من يوم إلّا ويهرق فيه خمر عند باب زويلة، ويحرق حشيش، فطهر الله به البلد من ذلك جميعه، وتتبع الزعّار وأهل الفساد فخافوه وفرّوا من البلد، فصار السلطان يشكره ويثني عليه لما يبلغه من ذلك، وأما العامّة فإنه ثقل عليها وكرهته، حتى أنه لما تأمّر ابن الأمير بكتمر الساقي وركب إلى القبة المنصورية على العادة، ومعه أبوه النائب وسائر الأمراء، صاحت العامّة للأمير بكتمر الساقي يا أمير بكتمر بحياة ولدك أعزل هذا الظالم، ورد علينا وإلينا، يعنون الخازن، فلما عرّف بكتمر السلطان ذلك أعجبه وقال: يا أمير ما تخشى العامّة والسوقة، إلّا ظالما مثل هذا، ما يخاف الله تعالى، وزاد إعجاب السلطان به حتى قال له: لا تشاور في أمر المفسدين، فلم يغترّ بذلك، ورفع إليه جميع ما يتفق له وشاوره في كل جليل وحقير، وقال له إن جماعة من الكتاب والتجار قد عصر والخمر، واستأذنه في طلبهم ومصادرتهم، فتقدّم له بمشاورة النائب في ذلك وإعلامه أن السلطان قد رسم بالكشف عمن عصر من الكتاب والتجار الخمر، فلما صار إلى النائب وعرّفه الخبر، أهانه وقال: إن السلطان لا يرضى بكبس بيوت الناس وهتك حرمهم وسترهم وإقامة الشناعات، وقام من فوره إلى السلطان وعرّفه ما يكون في فعل ذلك من الفساد الكبير، وما زال به حتى صرف رأيه عما أشار به قدادار من كبس الدور، وأخذ الناس في مماقتته والإخراق به في كل وقت، فإنه كان يعني بالخازن ولم يعجبه عزله عن الولاية، فكثر جورقدادار وزاد تتبعه للناس، ونادى أن لا يعمل أحد حلقة فيما بين القصرين ولا يسمر هناك، وأمر أن لا يخرج أحد من بيته بعد عشاء الآخرة، وأقام عنه نائبا من بطالي الحسينية ضمن المسطبة، منه في كل يوم بثلاثمائة درهم، وانحصر الناس منه وضاقوا به ذرعا لكثرة ما هتك أستارهم، وخرق بكثير من المستورين، وتسلطت المستصنعة وأرباب المظالم على الناس، وكانوا إذا رأوا سكران أوشموا منه رائحة خمر أحضروه» إليه، فتوقى الناس شرّه وشكاه الأمراء غير مرّة إلى السلطان، فلم يلتفت لما يقال فيه، والنائب مستمرّ على الإخراق به إلى أن قبض عليه السلطان، فخلا الجوّ لقدادار، وأكثر من سفك الدماء وإتلاف النفوس والتسلط على العامّة لبغضهم إياه، والسلطان يعجبه منه ذلك بحيث أنه أبرز مرسوما لسائر عماله وولاته إن أحدا منهم لا يقتص ممن وجب عليه القصاص في النفس أو القطع إلا أن يشاور فيه ويطالع بأمره، ما خلا قدادار مستولي القاهرة