للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قنطرة الفخر: هذه القنطرة بجوار موردة البلاط من أراضي بستان الخشاب برأس الميدان، وهي أوّل قنطرة عمرت على الخليج الناصريّ على فمه، أنشأها القاضي فخر الدين محمد بن فضل الله بن خروف القبطيّ، المعروف بالفخر ناظر الجيش في سنة خمس وعشرين وسبعمائة، عند انتهاء حفر الخليج الناصريّ، ومات في رجب سنة اثنتين وثلاثين وسبعمائة، وقد أناف على السبعين سنة، وتمكن في الرياسة تمكنا كبيرا.

قنطرة قدادار: هذه القنطرة على الخليج الناصريّ، يتوصل إليها من اللوق، ويمشي فوقها إلى برّ الخليج الناصريّ مما يلي الفيل، وأوّل ما وضعت كانت تجاه البستان الذي كان ميدانا في زمن الملك الظاهر ركن الدين بيبرس، إلى أن أنشأ الملك الناصر محمد بن قلاون الميدان الموجود الآن بموردة البلاط من جملة أراضي بستان الخشاب، فغرس في الميدان الظاهريّ الأشجار وصار بستانا عظيما، كما ذكر ذلك في موضعه من هذا الكتاب، وعرفت هذه القنطرة بالأمير سيف الدين قدادار مملوك الأمير برلغي، وكان من خبره أنه تنقل في الخدم حتى وليّ الغربية من أراضي مصر في سنة ثلاث وعشرين وسبعمائة، فلقي أهل البلاد منه شرّا كثيرا، ثم انتقل إلى ولاية البحيرة، فلما كان في سنة أربع وعشرين كثرت الشناعة في القاهرة بسبب الفلوس، وتعنت الناس فيها، وامتنعوا من أخذها حتى وقف الحال وتحسن السعر، وكان حينئذ يتقلد الوزارة الأمير علاء الدين مغلطاي الجماليّ، ويتقلد ولاية القاهرة الأمير علم الدين سنجر الخازن، فلما توجه السلطان الملك الناصر محمد بن قلاون من قلعة الجبل إلى السرحة بناحية سرياقوس، بلغه توقف الحال وطمع السوقة في الناس، وأن متولي القاهرة فيه لين وانه قليل الحرمة على السوقة، وكان السلطان كثير النفور من العامّة، شديد البغض لهم، ويريد كل وقت من الخازن أن يبطش بالحرافيش ويؤثر فيهم آثارا قبيحة، ويشهر منهم جماعة، فلم يبلغ من ذلك غرضه، فكرهه واستدعى الأمير أرغون نائب السلطنة وتقدّم إليه بالأغلاظ في القول على الخازن بسبب فساد حال الناس، وهمّ ببروز أمره بالقبض عليه وأخذ ماله، فما زال به النائب حتى عفا عنه. وقال السلطان يعزله ويولي من ينفع في مثل هذا الأمر، فاختار ولاية قدادار عوضه، لما يعرف من يقظته وشهامته وجراءته على سفك الدماء، فاستدعاه من البحيرة وولاه ولاية القاهرة في أوّل شهر رمضان من السنة المذكورة.

فأوّل ما بدأ به أن أحضر الخبازين والباعة وضرب كثيرا منهم بالمقارع ضربا مبرّحا، وسمر عدّة منهم في دراريب حوانيتهم، ونادى في البلد من ردّ فلسا سمّر، ثم عرض أهل السجن ووسط جماعة من المفسدين عند باب زويلة، فهابته العامّة وذعروا منه، وأخذ يتتبع من عصر خمرا، وأحضر عريف الحمالين وألزمه بإحضار من كان يحمل العنب، فلما حضروا عنده استملاهم أسماء من يشتري العنب ومواضع مساكنهم، ثم أحضر خفراء

<<  <  ج: ص:  >  >>