للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

احتراق النيل رملة لا يصل إليها الماء إلّا عند الزيادة، وصار يتأخر دخول الماء في الخليج مدّة، وإذا كسر سدّ الخليج الكبير عند الوفاء، مرّ الماء هذا الخليج مرورا قليلا، وما زال موضع هذه القنطرة سدّا إلى أن كانت وزارة الصاحب شمس الدين أبي الفرج عبد الله المقسيّ، في أيام السلطان الملك الأشرف شعبان بن حسين، فأنشأ بهذا المكان القنطرة فعرفت به، واتصلت العمائر أيضا بجانبي هذا الخليج من حيث يبتدئ إلى أن يلتقي مع الخليج الناصريّ، ثم خرب أكثر ما عليه من العمائر والمساكن بعد سنة ست وثمانمائة، وكان للناس بهذا الخليج مع الخليج الناصريّ في أيام النيل مرور في المراكب للنزهة، يخرجون فيه عن الجدّ بكثرة التهتك والتمتع بكل ما يلهي، إلى أن ولي أمر الدولة بعد قتل الملك الأشرف شعبان بن حسين، الأميران برقوق وبركة، فقام الشيخ محمد المعروف بصائم الدهر في منع المراكب من المرور بالمتفرّجين في الخليج، واستفتى شيخ الإسلام سراج الدين عمر بن رسلان البلقينيّ، فكتب له بوجوب منعهم لكثرة ما ينتهك في المراكب من الحرمات ويتجاهر به من الفواحش والمنكرات، فبرز مرسوم الأميرين المذكورين بمنع المراكب من الدخول إلى الخليج، وركّبت سلسلة على قنطرة المقسيّ هذه في شهر ربيع الأول سنة إحدى وثمانين وسبعمائة، فامتنعت المراكب بأسرها من عبور هذا الخليج إلّا أن يكون فيها غلة أو متاع، فقلق الناس لذلك وشق عليهم وقال الشهاب أحمد بن العطار الدنيسريّ في ذلك:

حديث فم الخور المسلسل ماؤه ... بقنطرة المقسيّ قد سار في الخلق

ألا فاعجبوا من مطلق ومسلسل ... يقول لقد أوقفتم الماء في حلقي

وقال:

تسلسلت قنطرة المقسيّ مم ... اقد جرى والمنع أضحى شاملا

وقال أهل طبنة في مجنهم ... قوموا بنا نقطع السلاسلا

ولم تزل مراكب الفرجة ممتنعة من عبور الخليج إلى أن زالت دولة الظاهر برقوق، في سنة إحدى وتسعين وسبعمائة، فأذن في دخولها وهي مستمرّة إلى وقتنا هذا.

قنطرة باب البحر: هذه القنطرة على الخليج الناصري، يتوصل إليها من باب البحر ويمرّ الناس من فوقها إلى بولاق وغيره، وهي مما أنشأه الملك الناصر محمد بن قلاوون عند انتهاء حفر الخليج الناصريّ، في سنة خمس وعشرين وسبعمائة، وقد كان موضعها في القديم غامرا بالماء عند ما كان جامع المقس مطلا على النيل، فلما انحسر الماء عن برّ القاهرة صار ما قدّام باب البحر رملة، فإذا وقف الإنسان عند باب البحر رأى البرّ الغربيّ، لا يحول بينه وبين رؤيته بنيان ولا غيره، فإذا كان أوان زيادة ماء النيل صار الماء إلى باب

<<  <  ج: ص:  >  >>