للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

البحر، وربما جلفط في بعض السنين خوفا من غرق المقس، ثم لما طال المدى غرق خارج باب البحر بأرض باطن اللوق، وغرس فيه الأشجار فصار بساتين ومزارع، وبقي موضع هذه القنطرة جرفا، ورمى الناس عليه التراب فصار كوما يشنق عليه أرباب الجرائم، ثم نقل ما هنالك من التراب وأنشئت هذه القنطرة ونودي في الناس بالعمارة، فأوّل ما بني في غربيّ هذه القنطرة مسجد المهاميزيّ وبستانه، ثم تتابع الناس في العمارة حتى انتظم ما بين شاطيء النيل ببولاق وباب البحر عرضا، وما بين منشأة المهراني ومنية الشيرج طولا، وصار ما بجانبي الخليج معمورا بالدور ومن ورائها البساتين والأسواق والحمّامات والمساجد، وتقسمت الطرق وتعدّدت الشوارع وصار خارج القاهرة من الجهة الغربية عدّة مدائن.

قنطرة الحاجب: هذه القنطرة على الخليج الناصري، يتوصل إليها من أرض الطبالة، ويسير الناس عليها إلى منية الشيرج وغيرها، أنشأها الأمير سيف الدين بكتمر الحاجب في سنة ست وعشرين وسبعمائة، وذلك أنه كانت أرض الطبالة بيده، فلما شرع السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون في حفر الخليج الناصريّ، التمس بكتمر من المهندسين إذا وصلوا بالحفر إلى حيث الجرف أن يمرّوا به على بركة الطوّابين التي تعرف اليوم ببركة الرطليّ، وينتهوا من هناك إلى الخليج الكبير، ففعلوا ذلك وكان قصدهم أولا أنه إذا انتهى الحفر إلى الجرف مرّوا فيه إلى الخليج الكبير من طرف البعل، فلما تهيأ لبكتمر ذلك عمرت له أراضي الطبالة كما يأتي ذكرها إن شاء الله تعالى عند ذكر البرك، فعمرت هذه القنطرة في سنة خمس وعشرين وسبعمائة، وأسند إليها جسرا عمله حاجزا بين بركة الحاجب المعروفة ببركة الرطليّ وبين الخليج الناصريّ، وسيرد ذكره إن شاء الله تعالى عند ذكر الجسور، ولما عمرت هذه القنطرة اتصلت العمائر فيما بينها وبين كوم الريش، وعمر قبالتها ربع عرف بربع الزيتيّ، وكان على ظهر القنطرة صفان من حوانيت، وعليها سقيفة تقي حرّ الشمس وغيره، فلما غرق كوم الريش في سنة بضع وستين وسبعمائة صار هذا الكوم الذي خارج القنطرة، ومن تحت هذه القنطرة يصب الخليج الناصريّ في الخليج الكبير، ويمرّ إلى حيث القنطرة الجديدة وقناطر الأوز وغيرها، كما تقدّم ذكره.

قنطرة الدكة: هذه القنطرة كانت تعرف بقنطرة الدكة، ثم عرفت بقنطرة التركمانيّ من أجل أن الأمير بدر الدين التركمانيّ عمرها، وهذه القنطرة كانت على خليج الذكر، وقد انطم ما تحتها وصارت معقودة على التراب لتلاف خليج الذكر، ولله در ابراهيم المعمار حيث يقول:

يا طالب الدّكّة نلت المنى ... وفزت منها ببلوغ الوطر

قنطرة من فوقها دكّة ... من تحتها تلقى خليج الذكر

قناطر بحر أبي المنجا: هذه القناطر من أعظم قناطر مصر وأكبرها، أنشأها السلطان

<<  <  ج: ص:  >  >>