الفيل فضاء، ثم عمر الناس حول بركة الفيل بعد الستمائة حتى صارت مساكنها أجلّ مساكن مصر كلها.
قال ابن سعيد وقد ذكر القاهرة: وأعجبني في ظاهرها بركة الفيل لأنها دائرة كالبدر، والمناظر فوقها كالنجوم، وعادة السلطان أن يركب فيها بالليل، وتسرج أصحاب المناظر على قدر هممهم وقدرتهم، فيكون بذلك لها منظر عجيب. وفيها أقول:
انظر إلى بركة الفيل التي اكتنفت ... بها المناظر كالأهداب للبصر
كأنما هي والأبصار ترمقها ... كواكب قد أداروها على القمر
ونظرت إليها وقد قابلتها الشمس بالغدوّ فقلت:
انظر إلى بركة الفيل التي نحرت ... لها الغزالة نحرا من مطالعها
وخلّ طرفك محفوفا ببهجتها ... تهيم وجدا وحبا في بدائعها
وماء النيل يدخل إلى بركة الفيل من الموضع الذي يعرف اليوم بالجسر الأعظم تجاه الكبش، وبلغني أنه كان هناك قنطرة كبيرة فهدمت وعمل مكانها هذه المجاديل الحجر التي يمرّ عليها الناس، ويعبر ماء النيل إلى هذه البركة أيضا من الخليج الكبير من تحت قنطرة تعرف قديما وحديثا بالمجنونة، وهي الآن لا تشبه القناطر، وكأنها سرب يعبر منه الماء، وفوقه بقية عقد من ناحية الخليج، كان قد عقده الأمير الطيبرس وبنى فوقها منتزها، فقال فيه علم الدين بن الصاحب:
ولقد عجبت من الطبرس وصحبه ... وعقولهم بعقوده مفتونه
عقدوا عقودا لا تصحّ لأنهم ... عقدوا لمجنون على مجنونه
وكان الطيبرس هذا يعتريه الجنون، واتفق أنّ هذا العقد لم يصح وهدم، وآثاره باقية إلى اليوم.
بركة الشقاف: هذه البركة في برّ الخليج الغربيّ بجوار اللوق، وعليها الجامع المعروف بجامع الطباخ، في خط باب اللوق، وكانت هذه البركة من جملة أراضي الزهريّ، كما ذكر في حكر الزهريّ عند ذكر الأحكار، وكان عليها في القديم عدّة مناظر منها: منظرة الأمير جمال الدين موسى بن يغمور، وذلك أيام كانت أراضي اللوق مواضع نزهة قبل أن تحتكر وتبنى دورا، وذلك بعد سنة ستمائة. والله تعالى أعلم.
بركة السباعين: عرفت بذلك لأنه اتخذ عليها دار للسباع، وهي موجودة هناك إلى يومنا هذا، وهي من جملة حكر الزهريّ، وعليها الآن دور. ولم تحدث بها العمارة إلا بعد سنة سبعمائة، وإنما كان جميع ذلك الخط وما حوله من منشأة