البستان، وأن يعمل بركة قدّام المنظرة التي تعرف باللؤلؤة، فلما كانت الشدّة العظمى في زمن الخليفة المستنصر بالله، هجرت البركة وبني في موضعها عدّة أماكن عرفت بحارة اللصوص إذ ذاك، فلما كان في أيام الخليفة الآمر بأحكام الله ووزارة الأجل المأمون محمد بن فاتك البطائحيّ، د أزيلت الأبنية وعمق حفر الأرض وسلط عليها ماء النيل من خليج الذكر، فصارت بركة عرفت ببطن البقرة، وما برحت إلى ما بعد سنة سبعمائة، وكان قد تلاشى أمرها منذ كانت الغلوة في زمن الملك العادل كتبغا، سنة سبع وتسعين وستمائة، فكان من خرج من باب القنطرة يجد عن يمينه أرض الطبالة من جانب الخليج الغربيّ إلى حدّ المقس، ويجد بطن البقرة عن يساره من جانب الخليج الغربيّ إلى حدّ المقس، وبحر النيل الأعظم يجري في غربيّ بطن البقرة على حافة المقس إلى غربيّ أرض الطبالة، ويمرّ من حيث الموضع المعروف اليوم بالجرف إلى غربيّ البعل، ويجري إلى منية الشيرج، فكان خارج القاهرة أحسن منتزه في مصر من الأمصار، وموضع بطن البقرة يعرف اليوم بكوم الجاكي، المجاور لميدان القمح، وما جاور تلك الكيمان والخراب إلى نحو باب اللوق، وحدّثني غير واحد ممن لقيت من شيوخ المقس عن مشاهدة آثار هذه البركة، وأخبرني عمن شاهد فيها الماء، وإلى زمننا هذا موضع من غربيّ الخليج فيما يلي ميدان القمح يعرف ببطن البقرة، بقية من تلك البركة يجتمع فيه الناس للنزهة.
بركة جناق: هذه البركة خارج باب الفتوح، كانت بالقرب من منظرة باب الفتوح التي تقدّم ذكرها في المناظر، وكان ما حولها بساتين، ولم يكن خارج باب الفتوح شيء من هذه الأبنية، وإنما كان هناك بساتين، فكانت هذه البركة فيما بين الخليج الكبير وبستان ابن صيرم، فلما حكر بستان ابن صيرم وعمر في مكانه الآدر وغيرها، وعمر الناس خارج ابن الفتوح، عمر ما حول هذه البركة بالدور، وسكنها الناس وهي إلى الآن عامرة، وتعرف ببركة جناق.
بركة الحجاج: هذه البركة في الجهة البحرية من القاهرة، على نحو بريد منها، عرفت أوّلا بجب عميرة، ثم قيل لها أرض الجب، وعرفت إلى اليوم ببركة الحجاج من أجل نزول حجاج البرّ بها عند مسيرهم من القاهرة، وعند عودهم، وبعض من لا معرفة له بأحوال أرض مصر يقول: جب يوسف عليه السلام، وهو خطأ لا أصل له، وما برحت هذه البركة منتزها لملوك القاهرة.
قال ابن يونس عميرة ابن تميم بن جزيء التجيبيّ: من بنى القرناء صاحب الجب المعروف بجب عميرة في الموضع الذي يبرز إليه الحاج من مصر لخروجهم إلى مكة، وقال أبو عمر الكنديّ في كتاب الخندق: أن فرسان الخندق من جب عميرة بن تميم بن جزء، وصاحب جب عميرة من بني القرناء طعن في تلك الأيام فارتث فمات بعد ذلك.