وقال في كتاب الأمراء: ثم أن أهل الحوف خرجوا على ليث بن الفضل أمير مصر، وكان السبب في ذلك أن ليثا بعث بمساح يمسحون عليهم أراضي زرعهم، فانتقصوا من القصب أصابع، فتظلم الناس إلى ليث فلم يسمع منهم، فعسكروا وساروا إلى الفسطاط، فخرج إليهم ليث في أربعة آلاف من جند مصر، ليومين بقيا من شعبان، سنة ست وثمانين ومائة، فالتقى مع أهل الحوف لاثنتي عشرة خلت من شهر رمضان، فانهزم الجيش عن ليث وبقي في مائتين أو نحوها، فحمل عليهم بمن معه فهزمهم حتى بلغ بهم غيفة، وكان التقاؤهم في أرض جب عميرة، وبعث ليث إلى الفسطاط بثمانين رأسا، ورجع إلى الفسطاط. وقال: المسبحيّ ولاثنتي عشرة خلت من ذي القعدة سنة أربع وثمانين وثلاثمائة، عرض أمير المؤمنين العزيز بالله عساكره بظاهر القاهرة عند سطح الجب، فنصب له مضرب ديباج روميّ فيه ألف ثوب مفوّفة فضة، ونصبت له فازة مستقلة وقبة مثقلة بالجوهر، وضرب لابنه المنصور مضرب آخر، وعرضت العساكر فكانت عدّتها مائة عسكر، وأقبلت أسارى الروم وعدّتها مائتان وخمسون، فطيف بهم، وكان يوما عظيما حسنا لم تزل العساكر تسير بين يديه من ضحوة النهار إلى صلاة المغرب.
وقال ابن ميسر: كان من عادة أمير المؤمنين المستنصر بالله أن يركب في كل سنة على النجب مع النساء والحشم إلى جب عميرة، وهو موضع نزهة بهيئة، أنه خارج للحج على سبيل الهزء والمجانة ومعه الخمر في الروايا عوضا عن الماء، ويسقيه الناس. وقال أبو الخطاب بن دحية، وخطب لبني عبيد ببغداد أربعين جمعة، وذلك للمستنصر، بل للبطال المستهتر، أنشده العقيليّ صبيحة يوم عرفة:
قم فانحر الراح يوم النحر بالماء ... ولا تضحّي ضحى إلّا بصهباء
وأدرك حجيج الندامى قبل نفرهم ... إلى منى قصفهم مع كلّ هيفاء
ووصل ألف القطع للضرورة، وهو جائز، فخرج في ساعته بروايا الخمر تزجى بنغمات حداة الملاهي وتساق، حتى أناخ بعين شمس في كبكبة من الفساق، فأقام بها سوق الفسوق على ساق، وفي ذلك العام أخذ الله وأخذ أهل مصر بالسنين، حتى بيع القرص في أيا من بالثمن الثمين.
وقال القاضي الفاضل في حوادث المحرّم سنة سبع وسبعين وخمسمائة، وفيه خرج السلطان يعني صلاح الدين يوسف بن أيوب، إلى بركة لجب للصيد ولعب الأكرة، وعاد إلى القاهرة في سادس يوم من خروجه، وذكر من ذلك كثيرا عن السلطان صلاح الدين وابنه الملك العزيز عثمان.
وقال جامع سيرة الناصر محمد بن قلاون: وفي حوادث صفر سنة اثنتين وعشرين