نجيب الدولة حتى ماتت سنة اثنتين وثلاثين وخمسمائة، وشاركه في الملك المفضل أبو البركات بن الوليد الحميريّ، وكان يحكم بين يدي الملكة الحرّة، وهي من وراء الحجاب، ومات المفضل في رمضان سنة أربع وثلاثين وخمسمائة، وملك بلاده ابنه الملك المنصور، ومنصور بن المفضل، حتى ابتاع منه محمد بن سبأ بن أبي السعود معاقل الصليحيين، وعدّتها ثمانية وعشرون حصنا بمائة ألف دينار، في سنة سبع وأربعين وخمسمائة، وبقي المنصور بعد حتى مات بعد ما ملك نحو ثمانين سنة.
وأما عليّ بن مهديّ: فإنه حميريّ من سواحل زبيد، كان أبوه مهديّ رجلا صالحا، ونشأ ابنه على طريقة حسنة، وحج ووعظ، وكان فصيحا حسن الصوت عالما بالتفسير وغيره، يتحدّث بالمغيبات فتكون كما يقول، وله عدّة أتباع كثيرة وجموع عديدة، ثم قصد الجبال وأقام بها إلى سنة إحدى وأربعين وخمسمائة، ثم عاد إلى أملاكه ووعظ، ثم عاد إلى الجبال ودعا إلى نفسه فأجابه بطن من خولان فسماهم الأنصاري، وسمّي من صعد معه من تهامة المهاجرين، وولّى على خولان سبأ، وعلى المهاجرين رجلا آخر، وسمّي كلا منهما شيخ الإسلام، وجعلهما نقيبين على طائفتيهما فلا يخاطبه أحد غيرهما وهما يوصلان كلامه إلى من تحت أيديهما، وأخذ يغادي الغارات ويراوحها على التهائم حتى أجلى البوادي، ثم حاصر زبيد حتى قتل فاتك بن محمد آخر ملوك بني نجاح، فحارب ابن مهديّ عبد فاتك حتى غلبهم وملك زبيد يوم الجمعة رابع عشر رجب سنة أربع وخمسين وخمسمائة، فبقي على الملك شهرين وأحدا وعشرين يوما ومات.
فملك بعده ابنه مهديّ ثم عبد الغنيّ بن مهديّ، وخرجت المملكة عن عبد الغنيّ إلى أخيه عبد الله، ثم عادت إلى عبد الغنيّ، واستقرّ حتى سار إليه توران شاه بن أيوب من مصر في سنة تسع وستين وخمسمائة وفتح اليمن وأسر عبد الغنيّ، وهو آخر ملوك بني مهديّ، يكفر بالمعاصي ويقتل من يخالف اعتقاده ويستبيح وطء نسائهم واسترقاق أولادهم، وكان حنفي الفروع، ولأصحابه فيه غلوّ زائد، ومن مذهبه قتل من شرب الخمر ومن سمع الغناء.
ثم ملك توران شاه بن أيوب عدن من ياسر، وملك بلاد اليمن كلها واستقرّت في ملك السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب، وعاد شمس الدولة توازن شاه بن أيوب إلى مصر في شعبان سنة ست وسبعين، واستخلف على عدم عز الدين عثمان بن الزنجيلي، وعلى زبيد حطان بن كليل بن منقد الكافي، فمات شمس الدولة بالإسكندرية، فاختلف نوّابه، فبعث السلطان صلاح الدين يوسف جيشا فاستولى على اليمن، ثم بعث في سنة ثمان وسبعين أخاه سيف الإسلام ظهير الدين طفتكين بن أيوب، فقدم إليها وقبض على حطان بن كليل بن منقد وأخذ أمواله وفيها سبعون غلاف زردية مملوءة ذهبا عينا، وسجنه فكان آخر العهد به، ونجا عثمان بن الزنجيليّ بأمواله إلى الشام فظفر بها سيف الإسلام، وصفت له